يسترعي الإنتباه والتأمل،في فيلم “شباب إمرأة”،الذي أُنتِجَ عام ١٩٥٦، تتبع مسار العربة التي تجرها الدواب، وهي تخترق شوارع القاهرة من محطة مصر، حاملة الطالب “إمام بلتاجي حسنين” ومتاعه، في أحد أفضل إبداعات القدير “شكري سرحان” ، قادماً من قرية الحامول مركز بتانون-غربية ، للدراسة بكلية “دار العلوم” بالقاهرة، حتى ظهرت مآذن مسجدي “السلطان حسن”و “خوشيار هانم (الرفاعي)” بحي القلعة، ليسكن فى حجرة متواضعة بمنزل تملكه السيدة الثرية ” المعلمة شفاعات “، صاحبة السرجة أسفل ذلك المنزل، والتي يعاني الجميع من سوء خلقها وتطاولها ، وقد أتقنت دورها الفنانة “تحية كاريوكا”. وكان لعلاقته بها أثر واضح، تغيرت به أحوال معيشته وعاداته، واختلت قيمه واهتزت، وتدهور مستوى دراسته .
وقد انتهى الفيلم بمصرع “المعلمة شفاعات”، وعودة “إمام بلتاجي” إلى أهله وذويه وقريته مرة أخرى، وأدار ظهره لهذه الفترة، ليبدأ مرحلة جديدة ربما يكون فيها أقل اندفاعاً وأكثر نضجاً .
بقى أن نأخذ في الإعتبار، أن هذا الفيلم الذي صنف ضمن أفضل أفلام السينما المصرية ، مأخوذ عن رواية للأديب الكبير ” أمين يوسف غراب” ، وكتب له السيناريو وأخرجه للسينما مخرج الواقعية “صلاح أبو سيف”.
وبعد عدة سنوات ، وفي فيلم آخر أُنتِجَ عام ١٩٦١ ، فيلم “السفيرة عزيزة” تابعنا عربة أخرى، تجرها أيضاً الدواب، تخترق شوارع القاهرة من محطة مصر ، تحمل مرة ثانية متاع الأستاذ “أحمد” مدرس التاريخ، والذي جسد دوره أيضاً وأبدعه القدير” شكري سرحان”، في ثوب جديد للطالب “إمام بلتاجي” بعد تخرجه – حتى ظهرت أيضاً مئذنة أخرى ، هى مئذنة مسجد “الإمام الحسين”، بالحي الشهير الذي يحمل اسمه ، وقد جاء المدرس “أحمد” ليتسلم عمله بمدرسة “التربية القومية الخاصة”، وليسكن فى شقة متواضعة مجاوراً “المعلم عباس الرطل” صاحب الجزارة أسفل ذلك المنزل، والذي يعاني الجميع من سوء خلقه وتطاوله ، وقد أتقن دوره الفنان “عدلي كاسب”، وكيف كانت علاقة “أحمد” بأخت المعلم عباس “السفيرة عزيزة” أو السندريلا “سعاد حسني ” علاقة بريئة -رغم جرأة “عزيزة”- وكيف أعانته على حسن أداء عمله وواجبه ، وقد عزم النية على الزواج منها فور خروج أخوها من محبسه. وهو ما انتهى به هذا الفيلم .
وتتوالى التساؤلات والخواطر ، عندما نجد أن هذا الفيلم مأخوذ أيضاً عن رواية لنفس الأديب الكبير “أمين يوسف غراب” ، وقد كتب السيناريو وأخرجه للسينما أيضاً المساعد الأول للمخرج “صلاح أبو سيف” فى فيلم “شباب إمرأة” ، المخرج المتميز “طلبة رضوان”.
فهل كان نجاح “شباب إمرأة” ملهماً ودافعاً للأديب الكبير” أمين يوسف غراب” ليكتب “الجزءالثاني ” أو ” السفيرة عزيزة” ؟.
وهل كان ابداع “شكري سرحان” في “شباب”إمرأة” سبباً لإختياره لبطولة فيلم ” السفيرة عزيزة”؟
أم كانت حرفية “صلاح ابو سيف” في “شباب أمرأة” منهجاً ودرباً سار عليه مساعده الأول “طلبة رضوان” في “السفيرة عزيزة”، ربما يحظى الجزء الثاني بنفس التقدير والتفوق الذي ناله الأول؟.
وقد يعتقد البعض – وأنا منهم- أن عمق تأثير الفن والإبداع في وجدان الكاتب والمخرج والممثل بشكل عام ، قد يترك-أحياناً-أثراً غائراً مسيطراً، ربما يصعب إزالته، أو حتى مجرد محاولة إخفائه أو الهروب منه.