تعد الملوخية والبسطرمة من العناصر المفتقدة لدى غالبية المغتربين المصريين، و ذلك طبعا بالإضافة إلى الجبنة الرومى وورق العنب واللب الأسمر والعيش البلدى، وهى الأشياء التى يطلبها منك أى صديق فى حالة سفرك إليه، أو يصطحبها أى مسافر فى حقيبته عند رجوعه من إجازة فى مصر، على الرغم مما قد يواجهه من أخطار قانونية عند السفر إلى أستراليا أو الولايات المتحدة وأوروبا، وقد تتحول تلك الممارسة إلى أمر شديد الخطورة عندما تكون المسافرة هى أم أحد المغتربين، حيث تتبدل كل خطط الأطعمة إلى قائمة مأكولات شديدة المحلية وعميقة الأثر، تبدأ بالجبنة القديمة وقد تمر بالممبار وورق العنب إلى أن تصل إلى الفسيخ فى كثير من الأحيان، ومع هذا فإن المغتربين المصريين أو المسافرين إليهم صار لهم طرقا خاصة فى إجتياز الحدود دون أن يقفشهم رجال الجمارك، أو يشم ما تحتويه حقائبهم تلك الكلاب المدربة على ذلك، ويحدث ذلك النوع من التهريب عن طريق تجميد تلك المأكولات، و/أو لفها بإحكام شديد بطبقات من أكياس البلاستيك.
والحقيقة أن نجاح تهريب هذه المأكولات المرة بعد المرة، جعل من هذا الأمر ممارسة عادية ليس فيها مشكلة، إلا عندما تحدث الكارثة وتفك تلك الأطعمة المجمدة بسبب أى تأخير فى الطيران، وتسيل أى سوائل مثل شر الجبنة البيضة القديمة بسبب عدم إحكام غلق البرطمانات، أو يحدث أى تنفيس من كيس الفسيخ الذى يعد أخطر أنواع المهربات، وهنا تبوح الحقيبة بما حملت و تصرح الروائح المنبعثة منها بما أخفت، ومن مميزات تلك الروائح أنها تلفت نظر حتى من لم يشاهدوا واقعة تسرب السوائل، أما الشئ المدهش أن الركاب غير المصريين لا يتصورون أبدا أن هذه روائح طعام، و لكن يحار الغالبية منهم فى تحديد مصدر تلك الرائحة حيث ينظر أغلبهم ناحية دورات المياه، بينما ترتسم على وجوه المسافرين المصريين إبتسامة فطنة خبيثة لأنهم يميزون بسهولة إن كانت هذه الرائحة بسطرمة أم فسيخ أم جبنة قديمة، وهنا يحدث الإصطدام القانونى مع سلطات المطار، حيث لا يتوقف الأمر على إكتشاف محتويات الحقيبة من الجبن والبسطرمة والممبار والبط والحمام المجمد، ولكن يتجاوز الأمر بعد المصادرة إلى توقيع غرامات عالية، أما الفضيحة الشخصية فتتمحور حول نظرات الإستنكار التى يوجه سهامها إلى “المقفوش” من باقى ركاب الطائرة القادمة من مصر، وهو استنكار ممزوج بالإستعلاء وكأن الباقين يتبرأون من ذوى بلدهم بسبب مااقترفوه فى حق البلد المستضيف، بينما يقترن ذلك الإستعلاء بالعتاب والقلق بأن هذا المقفوش قد فتح أعين السلطات على باقى ركاب الطائرة القادمة من مصر، مما قد يؤدى إلى تفتيشهم جميعا وعند ذلك يفتضح الجميع أمام الجميع، ولا يتبقى أى مساحة “للقنعرة” لأن غالبية الحقائب تحتوى تقريبا على نفس المأكولات إن زاد صنف أو نقص، وإن كان ما تم تجميده قد تم طهيه أو ترك على حاله.
وتعد الوجبة الأولى عند وصول الأمانة مع حاملها من الوجبات الإحتفالية الهامة، حيث يركز كل فرد على ما يحب من محتويات الحقيبة وتتشارك الأسرة جميعا فى طقس أكل من الصعب أن تشاهده فى ظرف آخر، لأن فرحة وجود الأكل نفسه المقترن بنجاح عملية التهريب تبعث فى النفس نشوة لا يصل إليها الشخص الطبيعى إذا توافر له نفس الطعام فى ظروف أهدأ، دون الدخول فى جو المغامرات الذى يطغى حديثه على جلسة الطعام، حيث تجد المهربة أو المهرب يحكى كل تفاصيل قائمة المأكولات فى الحقيبة، والصعوبات التى واجهته فى شراء وإعداد كل صنف منها، ثم تجميده وتكييسه، حتى وصوله للمائدة!
يتبع