كان إذا دخل قاعة المحاضرات حضرت معه هيبة الأستاذ المعلم، وأحاطت به هالة جلال العلماء، كيف لا، وقد كان الراهب الناسك فى معبد العلم، حَبر الصحافة وعلومها؟.
غير أن ذلك لم يكن الشعور الوحيد الذى ينتابنا نحن طلاب الفرقة الأولى فى كلية الإعلام جامعة القاهرة تجاه الأستاذ والمعلم والعالم الجليل الدكتور خليل صابات لروحه السلام والخلود رحمه الله.
كانت مفرداته وحكاياته المتنوعة والثرية عن مراحل حياته المختلفة مفعمة بحنان الأب دافئة إلى حد يجعلك وأنت جالس فى مقعدك تشعر بيديه تربت على كتفيك.
لا يمكن أن تشعر فى حضوره سوى أنه الوالد والمعلم، وهذا ما جعلنى حريصًا على مد جسور العلاقة معه حتى بعد التخرج وداومت علـى زيارته فى منزله الكائن بشارع عبد الخالق ثروت على بعد خطوات من نقابة الصحفيين.
فى أول زيارة سألته بعفوية، لماذا كان مختلفًا كل ذلك الاختلاف عن باقى أساتذتنا عندما كان يخاطبنا فى بداية حديثه “يا أولاد”؟!.. قال برقة: لأننى لم أرزق بأولاد فصرتم جميعًا أبنائى.
عند مغادرتى هممت بشكل تلقائى بتقبيل يده تمامًا كما كنت أفعل مع والدي فإذا به يرفع رأسى قائلًا: “أفهمك لكن قبلنى هنا فى جبينى”.
مرت أكثر من ثلاثين عامًا ومع ذلك ما زلت أذكر دروسه وحكاياته بصوته العذب الحانى على أولاده من الطلاب.
النشاط المميز وربما الأول من نوعه الذى شرع الزميل الكاتب الصحفى ورئيس لجنة المعاشات أيمن عبدالمجيد بتنفيذه مؤخرًا بالالتفات إلى أساتذتنا وآباء مهنتنا من جيل الرواد هو ما استدعى من الذاكرة تلك المشاعر تجاه الدكتور خليل صابات وكل من تعلمنا على أياديهم سواء فى قاعات المحاضرات فى كلية الإعلام أو صالات التحرير فى المؤسسات الصحفية التى عملت بها.
الاحتفال بعيد ميلاد واحد من الرواد فى كل شهر وتنظيم صالون تواصل الأجيال لعرض خبرات أساتدتنا ومن علمونا إلى جانب ما يواجه شباب المهنة من تحديات وتساؤلات بمثابة قُبلة على جبين رواد هذه المهنة العريقة.
اختار أيمن عبدالمجيد بطريقة تفكيره المختلفة والحيوية تقديم قُبلة إعزاز وتقدير وإجلال وحب على جبين كل رائد أفنى حياته فى خدمة صاحبة الجلالة.
هى مبادرة تستحق الشكر والثناء لمجلس نقابة الصحفيين، لاسيما وأن أول ثمارها كان تنظيم الحلقة الأولى لصالون تواصل الأجيال حول أخلاقيات الصورة الصحفية بين الحقوق المهنية وحرمة الحياة الخاصة.
ما طرحه أساتذتنا وروادنا من رؤى وخبرات قدم إجابات عن كل ما أثير من تساؤلات فى هذا الصدد، خاصة ما دار منها حول صور الجنازات والمآتم للشخصيات العامة وما سببه دخلاء المهنة من ضرر فى صورة أبنائها المحترفين وكان أبرز ما قيل والذى يعطينا جميعًا درسًا فى أخلاقيات المهنة مقولة حسام دياب الرئيس الشرفى لرابطة المصورين الصحفيين ورئيس اتحاد المصورين الصحفيين العرب، حيث وضع حدًا فاصلًا بين ما هو أخلاقى وما هو غير ذلك (نحن نصور الضعف ولا نصور الضعفاء)، مشيرًِا إلى صورة صحفية التقطها لشخص محكوم عليه بالإعدام.
قال: طالب الرجل كوب شاى قبل تنفيذ الحكم، ولأنها كانت آخر أمنياته التقطت صورة تناول يده لكوب الشاى مع البدلة الحمراء دون إظهار وجهه.
خلص المشاركون من أساتذتنا وروادنا إلى عدة توصيات أظن أن الأخذ بها يحل الكثير من المعضلات التى تواجه الصحفي فى عمله اليومى، وأتصور أن المهم عرضها:
■ اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية، لتعديل المادة (١٢) من القانون ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ والتي تلزم المصور بالحصول على تصريح، ليكون التصريح قاصرًا على الأماكن التي يحظر قانونها الخاص التصوير بها، وليس الأماكن العامة، وذلك بموجب كارنية النقابة وتكليف الصحيفة لتيسر عمل الزملاء.
■ التعاون بين النقابة ورابطة المصورين، والمؤسسات الصحفية لغرس مفاهيم مهنية تتمثل في تصوير الضعف لا الضعفاء، بحيث يتجنب إظهار وجوه المتهمين في قضايا أو أسمائهم حتى لا يمتد الآثر السلبي لأسرهم.
■ التأكيد على أن تصوير الجنازات وسرادقات العزاء، لا يمثل أي خدمة خبرية أو قيمة مهنية، وعند ضرورة تصوير جنازات المشاهير والشخصيات العامة، يجب مراعاة أن يكون التصوير عن بعد بما ينقل الحدث دون انتهاك حرمة المتوفي أو يمس بمشاعر أسرته (مثل تغطية المباريات المصورة خارج حدود الملعب ويلتقط ما يراه مناسبًا).
■ دعوة رؤساء التحرير ورؤساء أقسام التصوير للنقاش حول ضوابط تغطية الفاعليات خاصة الجريمة والجنازات والحد من تكليف متدربين بهذه المهام، ووضع ضوابط للبث المباشر بما لا ينهك خصوصية المتهم الذي لم تثبت إدانته أو المواطن في لحظات وداع الأسر للمتوفين منها.
■ التأكيد على عدم قانونية تصوير الأطفال الأحداث حتى وإن وافقوا كون الطفل ليس في سن إدراك الأثر المترتب على ذلك.
■ الاهتمام بالتدريب السابق على القيد، داخل المؤسسات الصحفية والتالي على القيد بنقابة الصحفيين للأعضاء.
■ أهمية التأكيد على ضرورة الفصل بين التجاوزات التي ترتكب بواسطة منتحلي الصفة، ويقصد بهم المصورين غير النقابيين أو المتدربين في صحف، والتصدي لما ينال الصورة الذهنية للمهنة من تجاوزات منتجي المحتوى لوسائل التواصل الاجتماعي لحسابهم الخاص.
■ اتخاذ نقابة الصحفيين بالتعاون مع المؤسسات الصحفية ما يلزم من تدريب وتأهيل لاستعادة فن التحقيقات الصحفية المصورة.
■ التأكيد على أهمية تنمية التعاون البناء بين المحرر والمصور، في التغطيات المهنية لتعبر الصورة بدقة عن زاوية التناول التحريري.
■ الاهتمام بدورات الصحفي الشامل، لملاحقة تطور الصحافة، فمن المهم أن يكون الصحفي قادرًا على التحرير والتصوير في آن واحد، وغيرها من مهارات إنتاج التقارير المرئية للصحافة الرقمية.
■ إطلاق مرصد نقابي، لرصد الإيجابيات المهنية وتعظيمها، ورصد التجاوزات المهنية والعمل على الحد منها ومعالجتها.
■ تنمية الالتزام المهني بحظر تصوير المتهمين في قضايا، أو الأحداث مع التوصية بعدم نشر أسماء المتهمين أو المجني عليهن في جرائم الاغتصاب والتحرش، لعدم امتداد الأثر السلبي، لأفراد الأسرة.
أخيرًا.. أرجو أن يستمر عقد هذا الصالون الشهرى بشكل منتظم وأقترح إن جاز لى ذلك أن يضم الصالون جيل الرواد من أساتذتنا وعلمائنا الأجلاء فى كلية الإعلام فجميعنا فى أمس الحاجة لنقل خبراتهم إلى شباب الصحفيين وأذكر منهم على سبيل المثال فقط د. عواطف عبدالرحمن، د. نجوى كامل، د. ليلى عبدالمجيد، د. صفوت العالم، د. على عجوة، وغيرهم الكثيرون من التخصصات المختلفة بأقسام الصحافة والعلاقات العامة والإعلان والإذاعة والتليفزيون فالكل يصب فى بلاط صاحبة الجلالة.