القاهرة، 3 نسي 6264 فرعونى (8 سبتمبر 2023 ميلادى)
كان الشاعر الكبير نزار قباني عاشقًا كبيرًا للسينما المصرية، وكانت تربطه علاقات صداقة ببعض العاملين فيها، من بينهم الفنانة الكبيرة شادية، التي تمنى أن يقع اختيارها على إحدى قصائده لتشدو بها. وبالفعل كاد يحدث ذلك في قصيدتين هما «القدس»، و«تعود شعري الطويل عليك»، ولم ينس نزار قباني موقف شادية النبيل من قصيدته «القدس»، وحبها لكلماتها، واستعدادها لإنتاجها على نفقتها الخاصة عندما اعتذر المسؤولون في الإذاعة المصرية عن إنتاجها حتى لا يغضبوا عبد الحليم حافظ الذي كان ينوى غنائها أيضًا. لهذا وعندما جاءته الفرصة لرد الجميل لها، لم يتأخر.
تعود الحكاية إلى نهاية السبعينات، وبالتحديد عام 1977، حيث كانت دلوعة السينما تستعد لبطولة فيلم «وادي الذكريات» قصة ميشيل صوايا، سيناريو وحوار يوسف السباعي، إخراج بركات، بطولة النجم الصاعد محمود قابيل، حياة قنديل، محمود عبدالعزيز، عماد حمدي، ليلى فوزى، وبدأت شادية تصوير بعض المشاهد في الفيلم، لكن توقف التصوير فترة طويلة نظرًا لموت منتج الفيلم رمسيس نجيب. وفي هذا الوقت عرض المنتج مخلص شافعى على شادية تحويل مسلسلها الإذاعي الناجح «الشك يا حبيبي» إلى فيلم سينمائي من إخراج بركات، فوافقت، وبدأت تصوير «الشك يا حبيبي» وانتهت منه. وبعد مرور عام أو أكثر، فجأة تحمس أولاد رمسيس نجيب «مراد وأمير وأنور» لاستكمال تصوير فيلم «وادي الذكريات».
وبالفعل بدأ المخرج بركات جلسات عمل مع شادية وفريق العمل، وكان الفيلم يتطلب التصوير في سوريا في مكان هادئ أقرب إلى الريف. وبالفعل سافر المنتج مراد رمسيس، وأبطال العمل شادية ومحمود قابيل، وحياة قنديل، ومحمود عبدالعزيز إلى سوريا، وبعد بحث طويل عثر مراد على بيت رائع أقرب إلى الفيلا، يصلح للمهمة. وعندما سأل عن صاحبه وكيفية تأجيره، علم من الرجل الذي يقيم في البيت ويعمل كحارس، أن المنزل للشاعر الكبير نزار قباني، وهو لا يؤجر منزله للعاملين في السينما. وتوقف التصوير مجددًا.
وبعد أيام من التوقف واستعداد أبطال العمل للعودة إلى مصر، والبحث عن مكان آخر، حتى يعثر المنتج على منزل يصلح للتمثيل، جاء حارس منزل نزار قباني مسرعا إلى المنتج مراد رمسيس، وقال له: «إن الشاعر الكبير كان يتصل به بالمصادفة من لندن أمس ليطمئن على المنزل، فعرض عليه العرض المادي المغري الذي تلقاه نظير تأجير منزله، فرفض رفضًا قاطعًا، لكنه تراجع عن قراره على الفور، ووافق عندما علم أن الفيلم بطولة شادية، وليس هذا فقط، ولكنه طلب منه أن يفتح منزله لها بدون أي مقابل مادي، وطلب منه أيضًا أن يبلغها سلامه، ويعتذر لعدم وجوده في سوريا واستقبالها وأسرة الفيلم». وسعد الجميع بهذه الموافقة وبدأوا بالفعل التصوير في منزل نزار قباني!
جدير بالذكر أن شادية في هذا الوقت أعجبت بقصيدة رائعة مليئة بالرومانسية لنزار قباني بعنوان «تعود شعري الطويل عليك»، وطلبت من بليغ حمدي تلحينها، لكنها تراجعت عندما علمت أن نجاة الصغيرة اشترتها وطلبت من الموسيقار محمد الموجي تلحينها. الطريف أن مصير هذه القصيدة لاقى مصير قصيدة «القدس»، فلم تخرج بصوت شادية ولا نجاة! يقول مطلعها:
»تعود شعري الطويل عليك / تعودت أرخيه كل مساء
سنابل قمح على راحتيك / تعودت أتركه يا حبيبي
كنجمة صيف على كتفيك / فكيف تمل صداقة شعري
وشعري ترعرع بين يديك»