لندن في اكتوبر ١٩٩٦
كريم ايها الشاعر الجميل..
حين وصلتني رائعتك(موال الغربة) دخلت المطبخ، وضعت شايا (أبوالهيل) وجلست مع استكانة الشاي وأمامي بلقيس، وشعرها الطويل الذي كان يغطي المآذن والقباب واشجار النخل في حي السفينة بالأعظمية.
ثم بحثت عن(سمك مسقوف) لدى البقالين الانجليز، ولكنهم قالوا انهم لا يعرفونه، رغم انهم استعمروا العراق عشرات السنين.
ثم ركضت وراء ايامي في نادي العلوية، ونادي المنصور، والجسر المعلق، ومقامات النجف، وعبق البهارات في الشورجة، وأعراس العصافير والقصب في الأهوار، وربيع الموصل، وأسد بابل، ورائحة الجبن الأوشاري في أربيل..
هذه ليست قصيدتك يا كريم، انها قصيدتنا جميعا، نحن المنفيين في فضاء العالم، وليس معنا سوى حقيبة ملأى بالياسمين الدمشقي، والرازقي العراقي، وصورنا (التي كانت تتوسط البيت)، ونسخ قديمة من( طفولة نهد) و(الرسم بالكلمات) و(قالت لي السمراء) ونسخه من قصيدتي (إفادة في محكمة الشعر) التي ألقيتها في بغداد عام ١٩٦٩.
مرحباً يا عراق، جئت أغنيك
وبعـضٌ من الغنـاء بكـاء
أكل الحب من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتـها النسـاء
فجراح الحسين بعض جراحي
وبصدري من الأسى كربلاء
وحين سيغني كاظم:
وجعي يمتد كسرب حمام من بغداد الي الصين
يكون قد اكمل سمفونية الحزن، واعطانا مفاتيح بيوتنا التي ضاعت هنا منذ سقوط غرناطة.
ابق مزروعا يا كريم على شفتي كاظم الساهر ..
واكتب لنا دائما احاسيسنا، واحلامنا، باسلوبك الطفولي الجميل ..
نزار قباني