الرئيس السيسي تدخل في ازمة دير الانبا صموئيل
منذ عامين ونصف العام، كنت في زيارة لأسرة زوجتي بمغاغة، هذه البلدة الهادئة. وجاء خبر لنا مفاده أن الدير سوف يفتح أبوابه للزيارة صباح الغد. بلا تردد، وعلى الفور، حدثت آباء الرهبان عن ترتيبات لطقس عماد ابنتي الثانية مريم، لأن ابنتي الكبرى ميرا نالت طقس العماد على يد نيافة الأنبا باسليوس رئيس الدير بمقره في القاهرة.
مع شروق الشمس، استقللنا سيارتين، واتجهنا صوب الدير. فرح الجميع بالزيارة التي تأخرت بسبب جائحة كورونا، وبسبب حادثتي إرهابيتين متتاليتين ضد الأقباط أدتا إلى استشهاد عشرات الضحايا بعد هجوم الإرهابيين على حافلات تنقل زوار الدير وقتلوهم، ووثق مسلسل الاختيار ذلك في إحدى حلقاته.
ترانيم وزغاريد… تذكرت تلك المكالمة من مرقص عايد الشماس الخاص بالأنبا باسيليوس ليخبرني أن الأمن أوقف سيارة سيدنا، ومنعه وآخرين من الدخول.
يومها، اتصلت بالعميد مدحت عويضة مدير البحث الجنائي بمحافظة المنيا، فأخبرني أنهم في انتظار وصول تعزيزات أمنية، وقوة للتأمين خوفًا على حياتهم بعد الأحداث الإرهابية.
الهمني الله بفكرة بسيطة تتلخص في أن يكون هناك سيارة شرطة في المقدمة وأخرى في مؤخرة الموكب، أو أن تكون مدرعة وسيارة شرطة تؤمنان الطريق من بدايته حتى نهايته. وبالفعل، أخذ الرجل بفكرة العبد لله، ودخل الأنبا باسليوس ومعه سيارات الإعاشة وبعض الزوار من أسر الرهبان للاطمئنان على أبنائهم. ومر الموقف، وأصبح الدخول والخروج من الدير يحتاج إلى موكب للتأمين بسبب وعورة الطريق.
الروتين والبيروقراطية، و”فوت علينا بكرة يا أستاذ”، والجهاز الإداري العقيم شديد البطء في اتخاذ القرار، تسبب في ازدياد الغضب المشروع لدى رهبان الدير، فلا طعام، والزيارات ممنوعة، وكل الأديرة تعيش على التبرعات.
خرج الرهبان إلى الطريق السريع، بعد تأخير المحافظة “وطالت بزيادة، مفيش اهتمام”. للمرة الثانية، حدثني مرقص عايد ويخبرني بالاستياء والغضب المشروع بسبب عدم وصول الطعام والشراب. قلت: “الرهبان على حق”.
اتصلت بأحد القيادات العسكرية الكبيرة، وأخبرته بالأزمة كاملة، وقلت له: “الطلب هو إبعاد الجهة الإدارية عن رصف الطريق، والناس بتوع ‘فوت علينا بكرة يا سيد’، والابلة عفاف غايبة، والاستاذ طه في إجازة”، وكل الروتين، الروتين فيه سما قاتل.
قلت له: “الطلب يتلخص في أن تقوم الإدارة الهندسية التابعة للقوات المسلحة برصف الطريق، وإن كانت هناك معوقات نطلب رفع الأمر لمكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونأخذ موافقته لإنهاء الأمر.”
في اليوم التالي مباشرة، أبلغني القائد العسكري بأن هناك مذكرة تفصيلية بالمشكلة على مكتب السيد الرئيس، وخلال ساعات سوف يصدر قرار، وأنه نقل وجهة نظر الرهبان.
أنهيت المكالمة، ووجدت “خبراء” الفيسبوك وجهابذته ينشرون أكاذيب لا حصر لها، وأن الجهات الأمنية قامت بالقبض على الرهبان، وتم اعتقال خمسة منهم، مع صور وأسماء هؤلاء. وعدت أسأل من جديد عن تلك الإشاعة التي لا أنكر أنني تشككت فيها. ضحك الرجل وقال لي: “التعليمات بالجلوس مع الرهبان والاستماع لشكواهم الأخرى غير رصف الطريق، وطمأنتهم أن القيادة تتابع الأمر.”
اتصلت يومها بالقمص اليعازر الصموئيلي، أحد رهبان الدير، فأخبرني أنه يقف في انتظار خروج الرهبان، وبعد دقائق أخبرني بخروجهم. وطلبت محادثة أبونا مايكل الصموئيلي بلدياتي، وأخبرني أن الاجتماع تم بشكل راقي، واستمعت القيادة الأمنية لشكواهم، وأخبروهم أن القيادة السياسية وافقت على طلبهم.”
خرجت على الفيسبوك لأرد على هؤلاء الفلاسفة، ورويت القصة، وكذبت الشائعات التي انتشرت كالنار في الهشيم، وقلت إن جهة كذا هي من أنهت الأمر ورفعته للسيد الرئيس، وقلت إنهم سيغضبون مني لنشر القصة، ولكن ضميري المهني يحترم علي أن أتصدي لهذه الأكاذيب والافتراءات.
عند بداية الطريق الفرعي المؤدى للدير، وجدت انتشارًا أمنيًا مكثفًا، وتشكيلات أمنية، وفرق مكافحة الإرهاب، وخبراء إرهاب، ووحدات أمن مركزي، ومدرعات يعلوها قناصة جاهزون، وسيارات مصفحة، وكلاب بوليسية، وتفتيشًا دقيقًا للسيارات خوفًا من وجود متفجرات.
عبرنا إلى المدق الرملي فوجدته قد أصبح طريقًا إسفلتيًا رائعًا، وعلى جانبيه تقف سيارات القوات المسلحة، ووحدات تمركز وقوات انتشار سريع، ومدرعات ودبابات موزعة على جانبي الطريق. شعرت أن هذا التكثيف الأمني في انتظار مرور رئيس الوزراء وليس الألوف من المواطنين البسطاء في طريقهم لدير الأنبا صموئيل.
مرت السيارة بمنطقة أقيم عليها ما يشبه النصب التذكاري على جانب الطريق، وعرفت أن اليوم يصادف ذكرى استشهاد الأقباط في مذبحة دير الأنبا صموئيل، وعلقت صور ورقية لهم، وكنت أتمنى أن تخصص المحافظة نصبًا تذكاريًا لهؤلاء الأبطال.
وجدت برجًا محمولًا تقف تحرسه سيارة شرطة لتأمينه، تذكرت المهندس نجيب ساويروس وتبرعه لتركيب هذا البرج على نفقته الخاصة، وعندما حدثت الرجل بتوصية من القمص اليعازر الصموئيلي، وافق الرجل على الفور، وتم تركيب برج لشبكة أورانج.
دلفت بنا السيارة للدير الذي لم أزره منذ عشرين عامًا، فوجدت ينبض بالحياة وبالفرحة، والنساء تطلق الزغاريد ابتهاجا بالزيارة التي تأخرت كثيرًا.
دلفت بنا السيارة للدير الذي لم أزره منذ عشرين عامًا، فوجدت ينبض بالحياة وبالفرحة، والنساء تطلق الزغاريد ابتهاجا بالزيارة التي تأخرت كثيراً.
من يستحق الشكر في هذه الزيارة هو الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أنهى الأمر بنفسه، والقائد العسكري الكبير الذي رفض أي إشارة عنه في أي مكان، وطلب مني عدم الكتابة، وقلت له ضميري المهني يحتم علي أن أشكر من ساهم في الأمر.
فقلت له علي الهاتف : “شكرًا لكم على كل ما فعلته من أجل دير الأنبا صموئيل. أنت رمز وطنى ، ولولا جهودك لما رأينا هذا اليوم.
ابتسم الرجل وقال: ” الفضل يعود للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية فى اصدار تعليماته بحل المشكلة علي الفور.”
ودعت مغاغة وعدت إلى المنزل، وأنا أشعر بالفخر والسعادة. لقد رأيت بنفسي كيف تحولت حياة الناس في المنطقة بفضل جهود القيادة السياسية والعسكرية.
اللهم احفظ مصر وشعبها من كل سوء.