في خطوة نوعية تعكس أهمية التواصل الثقافي وتعزيز العلاقات التاريخية بين الشعبين الكردي والعربي، استقبل الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، وفدًا رفيع المستوى ضم الدكتور ياسين الملا، ممثل مؤسسة الرئيس جلال طالباني في القاهرة، والدكتور مختار غباشي، الخبير المتخصص في الشأن الكردي. جاءت الزيارة بمناسبة إهداء المؤسسة مذكرات الرئيس الراحل جلال طالباني إلى مكتبة الإسكندرية، باللغتين العربية والإنجليزية، في مبادرة تهدف إلى توثيق الإرث السياسي والنضالي لأحد أبرز القادة الأكراد في العصر الحديث، وتسليط الضوء على تجربته الفريدة في تعزيز الحوار والسلام.
تعزيز العلاقات الثقافية بين الكرد والعرب
أعرب الدكتور أحمد زايد خلال اللقاء عن تقديره الكبير للرئيس جلال طالباني، مشيرًا إلى دوره البارز كزعيم سياسي ورمز للنضال من أجل الحقوق الكردية، ومؤكدًا على مكانته المتميزة في قلوب العديد من القيادات والشعوب العربية. كما لفت إلى العلاقات الوثيقة التي جمعت بين طالباني وكبار القادة المصريين، وعلى رأسهم الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، الذي وصفه زايد بـ”رفيق الفكر وصديق النضال”. وأضاف أن مكتبة الإسكندرية، بصفتها منارة فكرية وثقافية عالمية، تولي اهتمامًا خاصًا بتوثيق السير الذاتية والإنجازات البارزة للقادة الذين أسهموا في تشكيل الوعي السياسي والتاريخي في المنطقة.
المذكرات.. وثيقة تاريخية ملهمة
وفي كلمته، أكد الدكتور مختار غباشي أن مذكرات مام جلال ليست مجرد سرد لأحداث تاريخية، بل هي وثيقة إنسانية وسياسية تعكس مراحل مهمة من النضال الكردي، بدءًا من كفاحه في الجبال ووصولاً إلى منصب رئيس الجمهورية العراقية. وأوضح أن هذه المذكرات تسلط الضوء على تفاصيل مسيرة طويلة واجه فيها طالباني تحديات سياسية وأمنية واجتماعية كبيرة، لكنه استطاع تجاوزها برؤية حكيمة وقدرة استثنائية على التفاوض وبناء الجسور مع الجميع. وأضاف غباشي: “هذه المذكرات تقدم نموذجًا فريدًا للزعماء الشباب حول العالم، وتؤكد أن النجاح يتطلب التضحية والإيمان بالهدف”.
مكتبة الإسكندرية.. جسر بين الثقافات
من جهته، أشاد الدكتور ياسين الملا بالدور الريادي لمكتبة الإسكندرية في الحفاظ على التراث الثقافي والإنساني وتعزيز الحوار بين الشعوب. وأكد أن إهداء مذكرات الرئيس جلال طالباني للمكتبة يعكس عمق العلاقات التاريخية والثقافية بين الأكراد والمصريين. كما نقل الملا تحيات السفير محمد صابر، رئيس مؤسسة الرئيس طالباني، إلى قيادات المكتبة، مشددًا على أهمية هذه الخطوة في توثيق نضال الشعب الكردي وتقديمه إلى القارئ العربي والعالمي من خلال واحدة من أهم المؤسسات الثقافية في المنطقة.
وأضاف الملا أن هذا الإهداء هو جزء من رؤية أوسع تسعى من خلالها المؤسسة إلى توسيع دائرة التواصل الثقافي بين الأكراد والعرب، وتعزيز القيم المشتركة التي تجمع بين الشعوب. وأكد على أن مذكرات طالباني تمثل مرجعًا تاريخيًا يُظهر للعالم تجربة زعيم واجه أصعب التحديات ونجح في تحقيق إنجازات سياسية ودبلوماسية تُدرس.
نضال طويل وإرث خالد
تمثل مذكرات الرئيس جلال طالباني شهادة حية على عقود طويلة من النضال السياسي والدبلوماسي. تسرد المذكرات تفاصيل كفاح طالباني في سبيل تحقيق حقوق الشعب الكردي، ومواجهته للظلم والاضطهاد في مراحل مختلفة من التاريخ. كما تتضمن المذكرات قصصًا عن مفاوضاته المعقدة مع الحكومات العراقية، وسعيه المستمر لتحقيق السلام في المنطقة، ودوره في بناء دولة عراقية ديمقراطية.
تتناول المذكرات أيضًا تفاصيل إنسانية تعكس شخصية طالباني القيادية والإنسانية، وتبرز كيف استطاع بناء علاقات قوية مع مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، سواء داخل العراق أو خارجه. ولعل أكثر ما يميز هذه المذكرات هو كونها تقدم نموذجًا للزعيم الذي لم يكن يسعى فقط لتحقيق أهداف شعبه، بل كان أيضًا حريصًا على تحقيق التعايش المشترك وبناء وطن يحتضن الجميع.
الإهداء.. خطوة رمزية تحمل رسائل عديدة
وفي ختام اللقاء، قدم الدكتور أحمد زايد هدية تذكارية للدكتور ياسين الملا، وهي نسخة من كتاب “ذاكرة الإسكندرية الفوتوغرافية”، الذي يضم صورًا نادرة توثق تطور مدينة الإسكندرية عبر العصور المختلفة. وأكد زايد أن هذه الخطوة تعكس روح التواصل الحضاري بين الشعبين الكردي والعربي، مشيرًا إلى أن مكتبة الإسكندرية ستظل بيتًا مفتوحًا للحوار الثقافي والفكري بين مختلف الشعوب.
الرئيس جلال طالباني.. رمز خالد في التاريخ الحديث
الرئيس جلال طالباني، المعروف بلقب “مام جلال”، يُعتبر أحد أبرز القادة الأكراد في التاريخ الحديث. وُلد عام 1933 في كردستان العراق، وكان من أوائل المؤسسين للحركة السياسية الكردية. لعب دورًا محوريًا في النضال الكردي، وشغل منصب رئيس جمهورية العراق بين عامي 2005 و2014، ليكون بذلك أول رئيس غير عربي في تاريخ العراق الحديث.
تميز طالباني برؤية سياسية ثاقبة، وقدرة استثنائية على جمع الأطراف المتصارعة، وساهم بشكل كبير في تعزيز الديمقراطية وبناء دولة عراقية موحدة. توفي في أكتوبر 2017، تاركًا وراءه إرثًا سياسيًا ونضاليًا كبيرًا، يُلهم الأجيال الجديدة من السياسيين والمثقفين.