تقول الحكمة: إن التعليم فى الصغر مثل النقش على الحجر، وهناك حكمة أخرى تقول: علّموهم ولا تورّثوهم, فى إشارة إلى أهمية تعليم الأطفال، حيث يُمثل الاستثمار فى تنمية الأطفال والاهتمام برعايتهم استثمارًا فى المستقبل، فالأطفال جزء من الحاضر، والجانب الأكبر من المستقبل، فمنهم يخرج المسئولون وقادة المجتمع فى مختلف المواقع وكافة المجالات، المدرس والطبيب والمهندس والمحاسب والمحامى والصحفى والإعلامى والمزارع والصانع والتاجر والصنايعى وغيرهم. ومن واقع الأرقام والإحصائيات فإن الأطفال يُمثلون نسبة عددية غير قليلة فى مجتمعنا المصرى وفقًا لإحصاءات الجهازالمركزى للتعبئة العامة والإحصاء الخاصة بتقديرات السكان عام 2022م، حيث بلغ عدد الأطفال فى مصر 41.5 مليون طفل (منهم 21.4 مليون ذكر بنسبة 51.6%، و20 مليون أنثى بنسبة 48.4%)، وبلغ إجمالى عدد الأطفال فى الريف 25.3 مليون طفل (منهم 13.1 مليون ذكر بنسبة 51.8%، و12.2 مليون أنثى بنسبة 48.2%)، وبلغ إجمالى عدد الأطفال فى الحضر 16.2 مليون طفل (منهم 8.3 مليون ذكر بنسبة 51.4%، و7.9 مليون أنثى بنسبة 48.6%).
وخلال السنة يقضى الأطفال فترة تتراوح بين سبعة وتسعة أشهر فى المدرسة، حيث التعليم النظامى، ثم يحصلون على إجازة لفترة زمنية تقترب من نحو أربعة أشهر، الأمر الذى يوجب علينا التفكير فى كيفية قضاء الإجازة الصيفية واستثمار الوقت فيما يفيد، ومن بين الأفكار والمبادرات المهمة التى ظهرت وأخذت تنتشر خلال السنوات الأخيرة فكرة المدارس الصيفية (Summer Schools)، التى تم تأسيسها من خلال بعض الكنائس والمدارس ودور الحضانة، وهى فى تقديرى فكرة صائبة ومتميزة أتمنى تعميمها من خلال مختلف المؤسسات، الحكومية وغير الحكومية، نظير رسوم بسيطة ومعقولة لا تُمثل عبئًا على رب الأسرة وميزانيتها، فالمدارس الصيفية تساعد أطفالنا على التخلص من حالة الملل والزهق التى يعانون منها وتكون سببًا للكثير من المشكلات الاجتماعية، كما تجعلهم يتخلصون من كسل العقل وحالة الخمول التى قد تصيبهم نتيجة الاكتفاء بمشاهدة التليفزيون واستخدام الهواتف المحمولة لممارسة الألعاب الإلكترونية ومشاهدة الفيديوهات، المفيدة/ النافعة وغير المفيدة/ الضارة، وفى المدارس الصيفية يكتسب الأطفال الكثير من المعلومات والمعارف، ويتعلمون بعض المهارات والخبرات الحياتية، كما أنهم يكتشفون أنفسهم جيدًا وينمّون مواهبهم ويكوّنون صداقات جديدة.
تصل أيام المدرسة الصيفية إلى أربعة أيام فى الأسبوع، وأحيانًا خمسة أيام، ويبدأ اليوم غالبًا فى الساعة الثامنة صباحًا وينتهى فى نحو الثالثة مساءً، وللمدرسة برنامج يومى يتضمن مهارات وأنشطة ذهنية وحركية، تقوم على الإبداع والابتكار واكتشاف كل ما هو جديد، وإكساب الأطفال بعض القيم والسلوكيات الإيجابية مثل الانتماء وحب الوطن والتعاون والعمل الجماعى وروح المبادرة والاعتماد على الذات وتحمل المسئولية والتفكير التحليلى النقدى، كما تكون المدرسة الصيفية فرصة جيدة لاكتشاف المواهب وتنمية المهارات مثل الغناء وعزف الموسيقى والقراءة وغيرها، ويتضمن برنامج المدرسة الصيفية كذلك زيارات ميدانية لبعض المواقع الأثرية والثقافية ما يُعتبر فرصة جيدة لمعرفة معالم الوطن.
وإذا كانت المدارس الصيفية تركز على أطفال المرحلة الابتدائية، فمن الممكن تأسيس مدارس صيفية للمراحل العمرية الأكبر سنًا، وأقصد هنا طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، يتعلمون فيها حرفة أو مهنة مناسبة، حتى تكون مدارس صيفية إنتاجية تدر دخلًا على المشاركين من الفتيان والفتيات، مثل زراعة بعض أنواع الفواكه والخضراوات وتعبئتها وتغليفها للبيع فى محال البقالة، إعداد الوجبات الغذائية وصناعة المخبوزات، إصلاح أجهزة الهواتف المحمولة، أعمال الكروشيه وغيرها من أعمال مناسبة. كل ذلك وغيره يساعد على تكوين شخصية الأطفال وبناء وعيهم وتأهيلهم للتعامل اللائق مع احتياجات المجتمع ومتغيراته، والتعامل مع المواقف المختلفة ومواجهة المشكلات والتحديات التى قد يواجهونها مستقبلًا.
ولأننى أعلم جيدًا مدى اهتمام الدولة والأسرة برعاية الطفولة وتنمية مهارات الأطفال ومواهبهم علميًا وأدبيًا، فإننى أقترح العمل على تعميم تلك التجربة بشكل منظم وممنهج ومدروس، فى إطار مشروع قومى يتم تبنيه وتنفيذه فى كل مدينة وقرية، من خلال برامج يضعها تربويون يأخذون فى الاعتبار مختلف أبعاد الشخصية، حيث يمكن للمدارس ومراكز الشباب والأندية الرياضية وقصور الثقافة والجمعيات والمؤسسات الأهلية ودور الحضانة، أن تتبنى تأسيس مثل هذه المدارس لاستيعاب الأطفال، من المراحل العمرية المختلفة، بغرض تعليمهم مهارات الحياة وتوجيه طاقاتهم، واكتشاف مواهبهم وتنمية إبداعاتهم.