في خطوة مفاجئة تحمل دلالات سياسية خطيرة، أعلن عدد من مشايخ الطائفة العلوية في سوريا وتركيا عن إصدار “البيان رقم 1”، الذي يمهّد لتأسيس إقليم علوي يضم لواء إسكندرون، اللاذقية، وطرطوس، ليكون تابعًا سياسيًا وعسكريًا للدولة التركية، مع استقلاله المادي.
تفاصيل البيان.. إعلان سياسي أم مشروع انفصالي؟
بحسب نص البيان، فإن الإقليم العلوي المقترح سيكون له حاكم يُنتخب شعبيًا، على أن يتولى مسؤوليات رئيسية تتعلق بحماية الإقليم، عقد الاتفاقيات، وتحسين الاستثمار فيه، ما يشير إلى نية تأسيس كيان سياسي شبه مستقل تحت المظلة التركية.
كما ينص البيان على إجراء استفتاء شعبي في 25 أغسطس 2025 في الولايات الثلاث (لواء إسكندرون، اللاذقية، وطرطوس) لإقرار مشروع الإقليم، على أن يتم رفع نتائج الاستفتاء إلى مجلس الأمن الدولي من أجل الاعتراف الرسمي بالإقليم وبدء إجراءات “الاندماج” مع الدولة التركية.
دلالات البيان.. تركيا تستولي على سوريا “قطعة قطعة”
البيان لا يخلو من الإشارات السياسية التي تعكس توجهات واضحة، حيث يؤكد على أن العلاقة بين العلويين في سوريا وتركيا “علاقة وثيقة وجزء لا يتجزأ من النسيج المشترك”، في تلميح إلى أن هذه الخطوة ليست مجرد مبادرة محلية، بل تأتي في سياق تحركات أوسع تمهّد لضم هذه المناطق إلى تركيا.
كما يطالب البيان أبناء الطائفة العلوية بالصبر، مؤكدًا أن إعلان الإقليم بات قاب قوسين أو أدنى، وهو ما يعزز فرضية أن هذا المشروع مدعوم من جهات تسعى إلى إعادة رسم الخريطة السياسية في سوريا، مع منح تركيا دورًا محوريًا في الساحل السوري.
التحليل السياسي.. ماذا يعني تأسيس إقليم علوي تابع لتركيا؟
إذا ما تم تنفيذ هذا المخطط، فإن تركيا ستكون قد وضعت قدمًا راسخة في الساحل السوري، بعد أن أحكمت سيطرتها على مناطق واسعة في الشمال، مثل إدلب، عفرين، رأس العين، وتل أبيض، مما يجعلها أقرب إلى إعادة رسم حدودها بشكل غير رسمي داخل الأراضي السورية.
من الناحية الاستراتيجية، فإن اللاذقية وطرطوس تمثلان شريانًا حيويًا لسوريا، حيث يقع فيهما أهم القواعد العسكرية والموانئ البحرية، بما في ذلك قاعدة حميميم الجوية الروسية، وميناء طرطوس، الذي يُعد منفذًا رئيسيًا لروسيا على البحر المتوسط. لذا، فإن أي تغيير في الوضع السياسي والإداري لهذه المناطق سيفتح الباب أمام صراع دولي واسع النطاق.
الموقف الدولي.. كيف ستتعامل دمشق وموسكو وطهران مع هذا التطور؟
حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة السورية، لكن من المؤكد أن دمشق سترفض أي محاولة لفصل أراضٍ سورية عن سيادتها.
أما تركيا، فرغم عدم صدور رد فعل رسمي، فإن نص البيان يشير إلى أن تنفيذ الخطة يعتمد على موافقة أنقرة والأمم المتحدة، مما يوحي بوجود تنسيق مسبق أو على الأقل ضوء أخضر غير معلن من الحكومة التركية.
روسيا وإيران، الحليفان الرئيسيان لسوريا، قد تعتبران هذه الخطوة تجاوزًا للخطوط الحمراء، خاصة أن موسكو تعتمد على الساحل السوري كموقع استراتيجي، فيما ترى طهران أن تحركات تركيا قد تهدد نفوذها في سوريا، مما يضع المنطقة على حافة مواجهة جيوسياسية خطيرة.
السيناريوهات المحتملة.. هل يتحول البيان إلى واقع؟
هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمصير هذا المشروع:
1. الرفض السوري والتدخل العسكري: قد تواجه الحكومة السورية هذا التحرك بالقوة، خاصة أن اللاذقية وطرطوس مناطق حيوية للنظام السوري، مما قد يؤدي إلى صدام مباشر مع تركيا، في ظل وجود روسيا وإيران كأطراف داعمة لدمشق.
2. إقرار المشروع بشكل تدريجي: إذا حصل المشروع على دعم تركي فعلي ونجح في إجراء الاستفتاء، فقد نشهد عملية ضم تدريجية شبيهة بما حدث في لواء إسكندرون عام 1939، حيث بدأت تركيا بفرض أمر واقع حتى اعترفت به بعض القوى الدولية لاحقًا.
3. استخدام المشروع كورقة ضغط سياسي: من الممكن أن يكون البيان مجرد أداة ضغط تستخدمها تركيا لتحقيق مكاسب سياسية في الملف السوري، سواء عبر فرض شروط جديدة على دمشق، أو توسيع نفوذها دون الحاجة إلى إعلان رسمي عن الضم.
ختامًا.. هل نشهد مرحلة جديدة من تفكك سوريا؟
سواء كان هذا المشروع خطوة فعلية نحو تقسيم سوريا أو مجرد ورقة ضغط سياسية، فإن البيان يسلط الضوء على واقع جديد يتم رسمه في سوريا، حيث تتحرك تركيا بنهج تدريجي للاستيلاء على الأراضي السورية، مستفيدة من الانقسامات الداخلية والتوازنات الإقليمية.
في جميع الأحوال، فإن الساحل السوري قد يكون مسرحًا جديدًا لصراع النفوذ الدولي، في ظل استمرار تركيا في توسيع رقعتها داخل سوريا، قطعة قطعة، بينما لا تزال دمشق عاجزة عن فرض سيادتها على كامل أراضيها.