يشهد معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025 إصدارًا جديدًا للكاتب الصحفي والباحث السياسي السيد الحراني، حيث يقدم كتابه “ثورة 30 يونيو والاستجابة للقدر”، الصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع، والذي يعد وثيقة تحليلية شاملة ترصد أحد أهم المنعطفات في تاريخ مصر الحديث، وذلك عبر 400 صفحة من القطع الكبير، تتناول 300 حدث وواقعة شكلت مسار المشهد المصري خلال العقدين الأخيرين.
خريطة التحولات السياسية والاقتصادية قبل 30 يونيو
ينطلق الحراني في كتابه من مرحلة التمهيد السياسي للتوريث التي بدأت مع عبث الرئيس الأسبق حسني مبارك بالدستور عام 2005، سعيًا لتمكين نجله جمال مبارك من وراثة الحكم، مستعرضًا شبكة المصالح والامتيازات المالية والسياسية التي استفادت منها شخصيات نافذة، أبرزها المهندس أحمد عز، أحد أقطاب الحزب الوطني المنحل، والذي كان أحد أعمدة النظام قبل أن يواجه المحاكمة بعد سقوط حكم مبارك.
ويكشف الكتاب تفاصيل فساد مراكز القوى في عهد مبارك، مؤكدًا على أن تفشي الفساد المالي والسياسي أدى إلى تراكم الغضب الشعبي، مما أسهم في اندلاع أحداث 25 يناير 2011، التي استغلتها جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق أهدافها الخاصة.
المخططات الإخوانية.. من التلاعب بالثورة إلى محاولة السيطرة
يخصص المؤلف فصولًا متعددة لتفكيك دور الإخوان في استغلال أحداث يناير، متتبعًا تفاصيل إطلاق محمد مرسي يد التنظيم المسلح لنشر الفوضى والعنف، إلى جانب تحركاته لتمكين جماعته من السيطرة على مؤسسات الدولة، مثل الجيش، الشرطة، القضاء، الأزهر، الكنيسة، مجلس الوزراء، النقابات، والأندية الرياضية، تحت توجيه مباشر من خيرت الشاطر، مهندس مشروع التمكين الإخواني.
ويكشف الحراني كيف حاولت الجماعة السيطرة على مراكز الشباب في القرى والمدن، وتحويلها إلى ساحات لتجنيد وتدريب مقاتلي التنظيم المسلح، بإشراف أسامة ياسين، أحد قيادات الإخوان، في إطار خطة كانت تستهدف إشعال حرب أهلية داخل مصر.
الدور الأمريكي والمؤامرات الخارجية
يتناول الكاتب في فصول أخرى الضغوط الأمريكية والغربية التي مورست على مصر منذ عهد الرئيس بيل كلينتون وحتى عهد باراك أوباما، الذي دعم بقوة وصول الإخوان إلى الحكم، ضمن مشروع “الفوضى الخلاقة”، الذي كان يستهدف إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، وفق رؤية تحقق المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
كما يتطرق الكتاب إلى تفاصيل تدريب بعض الشباب المصري في الخارج على تقنيات الثورات السلمية، وفق برامج دعمتها جهات أجنبية، حيث يعرض الكاتب اعترافات عالم الاجتماع الراحل الدكتور سعد الدين إبراهيم، الذي أقرّ بدوره في تدريب هؤلاء الشباب في صربيا وأوكرانيا، تمهيدًا لإشعال أحداث 25 يناير.
30 يونيو.. الثورة التي أنقذت الدولة المصرية
يركز الكتاب على تفاصيل ثورة 30 يونيو 2013، التي شكلت نقطة فاصلة في إنقاذ الدولة المصرية من مخطط الإخوان للهيمنة على البلاد، حيث يشرح دور الجيش المصري بقيادة المشير حسين طنطاوي والرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى جانب دور القضاء، الشرطة، الصحافة، الأحزاب، والنقابات في مواجهة مخططات التنظيم الدولي للإخوان.
ويستعرض الحراني كيف وقفت الملايين من المصريين في مواجهة المشروع الإخواني، الذي كان يهدف إلى إقامة دولة دينية تابعة لتنظيمات الإسلام السياسي، مما دفع الشعب إلى النزول في ثورة تاريخية غير مسبوقة في 30 يونيو، نجحت في إسقاط حكم الإخوان وإنقاذ الدولة من الانهيار.
التحديات بعد الثورة.. والعبور إلى المستقبل
يركز الكاتب في الفصول الأخيرة على الضغوط والتحديات التي واجهتها مصر بعد 30 يونيو، مستعرضًا محاولات الخارج لفرض حصار سياسي واقتصادي على الدولة المصرية، وكيف تمكنت القيادة السياسية من تحقيق الاستقرار، وإطلاق مشروعات قومية ضخمة نقلت البلاد إلى مرحلة النمو والتنمية المستدامة، في إطار خطط رؤية مصر 2030 و2050.
كما يتناول الفصل الأخير تحليلًا للعلاقات المصرية-الأمريكية، في ضوء سياسات واشنطن تجاه مصر خلال العقود الأخيرة، مشيرًا إلى كيف تصدى الرئيس عبد الفتاح السيسي لمؤامرات الخارج، وقاد مشروعًا وطنيًا يهدف إلى استعادة مصر لمكانتها الإقليمية والدولية، وسط منطقة تعج بالحروب والصراعات.
السيد الحراني في معرض القاهرة الدولي للكتاب
إلى جانب كتابه الجديد، يشارك السيد الحراني في معرض القاهرة الدولي للكتاب برصيد واسع من مؤلفاته السياسية والتاريخية، التي تشمل دراسات موثقة حول الجماعات الإسلامية، التنظيمات المسلحة، والفكر السياسي في مصر والمنطقة. ومن بين أعماله البارزة:
• “موسوعة الجماعة الإخوانية.. وثائق مجهولة”
• “الجماعات الإسلامية من تاني”
• “الإخوان القطبيون”
• “حسن البنا والتمويل المالي”
• “دولة المرشد من حسن البنا حتى الآن”
كما أن الكاتب الصحفي السيد الحراني، عضو في عدة مؤسسات أكاديمية وصحفية، منها نقابة الصحفيين المصريين، الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، واتحاد كتاب مصر، وعمل في عدد من الصحف المصرية الكبرى، مثل الأهرام، أخبار اليوم، المصري اليوم، الوطن، والفجر.
رسالة الكتاب.. ووعي ما بعد الثورة
يؤكد الحراني أن كتابه “ثورة 30 يونيو والاستجابة للقدر” ليس مجرد تأريخ للأحداث، بل هو محاولة لتقديم رؤية سوسيولوجية شاملة لفهم طبيعة الثورات والصراعات السياسية، وكيفية تأثيرها على المجتمعات، مشيرًا إلى أن المعرفة والوعي الجمعي هما السبيل الوحيد لحماية الدولة المصرية من أي محاولات لاختطافها مجددًا.
ويختتم الكاتب مؤلفه بإعادة التأكيد على أهمية الدروس المستفادة من ثورة 30 يونيو، التي أظهرت أن الشعب المصري، حين يقرر استعادة وطنه، يستجيب القدر لإرادته، تمامًا كما قال الشاعر أبو القاسم الشابي:
“إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر.”