في محاولة فنية لنقل صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم، أطلقت فرقة “أصدقاء العالم” أغنية “من تحت الرماد”، وهي عمل غنائي يدمج بين الفن والرسالة الإنسانية، مسلطًا الضوء على المعاناة المستمرة تحت الاحتلال. الأغنية من كلمات الفنان عبد الرحيم حسن، وألحان وتوزيع المايسترو هيثم المسلمى، وأداها كل من رحيق سمعان وساري ساهر في دويتو يهدف إلى إثارة الوعي وإيصال صرخة احتجاج عبر الموسيقى.
لكن، هل استطاع العمل أن يحقق التأثير المطلوب؟ وهل جاءت التوليفة الموسيقية والأداء الصوتي متماشية مع قوة الرسالة التي تحملها الأغنية؟
كلمات تحاكي الجرح الفلسطيني
تعتمد الأغنية على لغة مباشرة ومؤثرة، حيث تبدأ بعبارة “يصرخ الرضيع محتاج للزاد”، في صورة تعكس حجم المعاناة التي يعيشها الأطفال تحت القصف والحصار. بينما تتصاعد المشاعر مع “حضنها بإيديها وفارقت الحياة أم الولاد”، وهي جملة تجسد الفاجعة الإنسانية في أقسى صورها.
تسير الأغنية في سياق تكراري يحمل الطابع الخطابي، مع جُمل مثل “شعب عايش شهيد” و**“يا دعاة الإنسانية يا حماة البشرية”**، وهي عبارات تدعو إلى التحرك العالمي، لكنها تميل إلى المباشرة في الطرح، مما قد يفقدها بعض العمق الفني الذي يسمح للمستمع بالتأمل والتفاعل العاطفي الحر مع النص.
الأداء.. بين الصدق والتفاعل العاطفي
قدم الثنائي رحيق سمعان وساري ساهر أداءً متجانسًا، مع وضوح في الإحساس بالمأساة الفلسطينية. اعتمد كلاهما على أسلوب غنائي يميل إلى الشجن، لكن في بعض اللحظات، بدت العاطفة طاغية على التقنية الصوتية، ما جعل بعض المقاطع تفتقر إلى التنوع في التعبير اللحني.
التوزيع الموسيقي.. لمسات شرقية بتقنيات تسجيل محدودة
لحنيًا، اعتمد هيثم المسلمى على مقامي النهاوند والبياتي، وهما من أكثر المقامات ارتباطًا بالطابع الشرقي الحزين، ما أضاف عمقًا للأغنية. اللافت أن التسجيل تم عبر برنامج Zoom، مما يفرض تحديات فنية على جودة الصوت والتوزيع، ويقلل من القدرة على التحكم في المزج الموسيقي الاحترافي.
ورغم ذلك، قدمت الفرقة المصاحبة أداءً مقبولًا، بمشاركة مجموعة من العازفين المهرة، مثل جون فيشار (إيقاع)، خالد أكرم (ناي)، جاد علي (طبول)، ريتشارد إلياس (جاز)، لوكسن ريان (مندولين)، جوسيف موس (قيثار)، مهند داغر (كمان)، ومحمد عامر (بوق). لكن يبقى التساؤل حول مدى استثمار هذه التشكيلة الموسيقية بشكل متكامل، إذ غلب على التوزيع طابع التكرار دون تصاعد درامي واضح.
رسالة إنسانية ذات طابع خطابي
تسعى الأغنية إلى تجاوز البعد الفني لتصبح نداءً عالميًا، حيث تتوجه إلى الجميع بمختلف الأديان، وتسألهم عن موقفهم من المجازر المستمرة في فلسطين. لكن استخدام الجمل المباشرة مثل “يا دعاة الإنسانية، يا حماة البشرية، ياللي بعتوا فلسطين في المزاد” يجعلها أقرب إلى بيان سياسي منها إلى عمل غنائي يحمل رمزية فنية قابلة للتأويل والتفاعل العاطفي المتعدد الأبعاد.
بين التأثير العاطفي والطرح الفني
لا شك أن “من تحت الرماد” تحمل رسالة صادقة ومؤثرة، لكنها تواجه تحديات فنية كان يمكن تجاوزها لتحقق انتشارًا أوسع وتأثيرًا أعمق. فالتسجيل عبر Zoom قلل من جودة الإنتاج الصوتي، كما أن التوزيع الموسيقي رغم احتوائه على أسماء قوية، لم يستثمر طاقته بالكامل. أما على مستوى الكلمات، فكانت مباشرة إلى حد كبير، وهو ما قد يجعلها أقل قابلية للاستماع المتكرر مقارنة بالأعمال التي تحمل بُعدًا رمزيًا أكبر.
مع ذلك، تبقى الأغنية محاولة تستحق التقدير، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الفنانون الفلسطينيون والعرب، حيث يصبح الفن أحد آخر الأصوات التي يمكنها مواجهة صمت العالم.