مع عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى المشهد السياسي، واحتمالية فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تتجه الأنظار إلى سياساته المتوقعة وتأثيرها على الدول الحليفة، وفي مقدمتها مصر. فمنذ توليه الرئاسة عام 2017، كان ترامب داعمًا قويًا لمصر، حيث أدرك مكانتها الاستراتيجية باعتبارها صمام الأمان في الشرق الأوسط، وركيزة الاستقرار في المنطقة.
ورغم أن سياسة الولايات المتحدة تتغير بتغير الإدارات، فإن مواقف ترامب السابقة ومؤشرات خطابه السياسي تؤكد أنه يرى في مصر شريكًا لا غنى عنه، سواء في محاربة الإرهاب، أو تأمين الملاحة العالمية، أو ضبط التوازنات الجيوسياسية، أو حتى في ملف الطاقة والغاز. ومع التحديات الاقتصادية التي واجهتها مصر في السنوات الأخيرة، فإن هناك أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأن عودة ترامب قد تحمل معها فرصًا جديدة لتعزيز الاقتصاد المصري ودعم مسيرته نحو التعافي.
أولًا: إنهاء حرب غزة وإعادة قناة السويس إلى صدارة المشهد
تعرضت قناة السويس، شريان التجارة العالمية، لهزة كبيرة بسبب تداعيات الحرب في غزة، حيث تسببت الهجمات على السفن في البحر الأحمر في عزوف العديد من الشركات عن المرور عبر القناة، مما أثر سلبًا على الإيرادات المصرية.
ومعروف عن ترامب مواقفه الحاسمة تجاه الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، مما قد يسرّع من وتيرة إنهاء الحرب أو تهدئتها، وبالتالي إعادة الأمور إلى نصابها في البحر الأحمر. وهذا سينعكس إيجابيًا على مصر من خلال استعادة القناة لدورها الحيوي كممر ملاحي رئيسي، وزيادة إيراداتها، مما سيدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي، ويخفف الضغط على الاقتصاد.
كما أن انتهاء الحرب سيعيد الأمان إلى قطاع السياحة، الذي تأثر بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المنطقة. ومع استعادة الاستقرار، ستزداد حركة السياحة، ما يعني تدفقًا جديدًا للعملة الصعبة وانتعاشًا لقطاع حيوي يشكل مصدر رزق لملايين المصريين.
ثانيًا: خفض الفائدة الأمريكية وجذب الاستثمارات إلى مصر
أحد أبرز العوامل التي أثرت على الاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة هو ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، مما دفع المستثمرين إلى سحب أموالهم من الأسواق الناشئة، ومن بينها مصر، وتوجيهها نحو السندات الأمريكية ذات العائد المرتفع.
لكن مع ترامب، الذي يؤيد سياسات تحفيز الاقتصاد عبر خفض الفائدة، من المتوقع أن تنخفض معدلات الفائدة في الولايات المتحدة، مما سيعيد الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، سواء في صورة استثمارات مباشرة في المشروعات الإنتاجية، أو غير مباشرة عبر أدوات الدين والاستثمارات في البورصة.
وهذا من شأنه أن يساهم في استقرار سعر الجنيه المصري أمام الدولار، وزيادة الاحتياطي النقدي، وتحفيز النمو الاقتصادي، فضلًا عن تحسين مناخ الأعمال، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي التي تراجعت بسبب السياسات النقدية المشددة في أمريكا خلال السنوات الماضية.
ثالثًا: تحرير قطاع النفط الأمريكي وخفض أسعار الطاقة عالميًا
من بين وعود ترامب الاقتصادية الرئيسية، السماح لشركات النفط الأمريكية بالتنقيب والإنتاج بحرية دون قيود، وهو ما سيؤدي إلى زيادة المعروض العالمي من النفط، وبالتالي انخفاض أسعاره.
وبما أن مصر تستورد نسبة كبيرة من احتياجاتها النفطية، فإن تراجع الأسعار سيؤدي إلى تقليل فاتورة استيراد الطاقة، مما سيخفف العبء على الموازنة العامة، ويساعد في توجيه هذه الأموال إلى مشروعات البنية التحتية، والتعليم، والصحة.
رابعًا: رفع الضغوط الاقتصادية غير المعلنة عن مصر
خلال الحرب في غزة، تعرضت مصر لضغوط اقتصادية وسياسية كبيرة، بسبب المخاوف الغربية من احتمالية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما أثر على تدفقات الاستثمار الأجنبي.
ومع تدخل ترامب لحل الأزمة، ولو بشكل مؤقت، ستتمكن مصر من استعادة الثقة الاستثمارية، وستتدفق رؤوس الأموال مجددًا، مما سيؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، ويمنح الاقتصاد المصري دفعة قوية نحو الاستقرار.
خامسًا: الشراكة مع أمريكا في قطاع الغاز وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة
تمثل مصر واحدة من أكبر الدول المنتجة للغاز في شرق المتوسط، ومع الاكتشافات الضخمة مثل حقل “ظهر”، أصبحت تلعب دورًا محوريًا في تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة.
وفي ظل سياسة ترامب الداعمة لاستقلالية قطاع الطاقة، فإن هناك فرصة كبيرة لزيادة الاستثمارات الأمريكية في التنقيب والإنتاج داخل مصر، مما سيؤدي إلى تعزيز القدرات الإنتاجية للغاز الطبيعي، وزيادة الصادرات، ودعم مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، سواء في الغاز أو الكهرباء.
كما أن دعم ترامب لتحالفات الطاقة في المنطقة، مثل منتدى غاز شرق المتوسط، سيعزز نفوذ مصر في مجال الطاقة، ويفتح المجال أمام تعاون استراتيجي أوسع مع القوى الاقتصادية الكبرى.
سادسًا: دعم ترامب لمصر في مواجهة الجماعات الإسلاموية
على مدار تاريخه السياسي، تبنى ترامب موقفًا واضحًا من الجماعات الإسلاموية، وأوقف الدعم الأمريكي للمنظمات التي يُشتبه في تورطها في أنشطة متطرفة، وهو ما انعكس إيجابيًا على الأمن والاستقرار في مصر.
ومع عودته المحتملة إلى الحكم، من المتوقع أن يستمر في نفس النهج، مما سيعزز العلاقات المصرية الأمريكية، ويفتح المجال أمام تعاون اقتصادي واستثماري أوسع، بعيدًا عن الضغوط السياسية التي مارستها بعض الإدارات السابقة.
ماذا تعني هذه السياسات لمستقبل مصر؟
إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فمن المرجح أن تشهد العلاقات المصرية الأمريكية تطورًا إيجابيًا، مع سياسات تدعم الاستثمار، وتفتح المجال أمام تدفقات مالية جديدة، وتساعد في تخفيف الأعباء الاقتصادية، وتعزز دور مصر الإقليمي في الطاقة والتجارة.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية التي مرت بها مصر في السنوات الأخيرة، فإن هذه السياسات قد تكون نقطة تحول نحو مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو، مدفوعة بتحسن بيئة الاستثمار، وزيادة العائدات من السياحة وقناة السويس، وخفض تكاليف الطاقة، وتعزيز دور مصر كفاعل رئيسي في ملفات المنطقة.
عبرنا الصعب.. والقادم أفضل بإذن الله.