لطالما شكلت مصر العمق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية، ليس فقط على المستوى السياسي والدبلوماسي، ولكن أيضًا من الناحية الإنسانية. فمنذ اندلاع الأزمات المتكررة في قطاع غزة، كانت القاهرة في طليعة الدول التي تمد يد العون للفلسطينيين، سواء عبر التحركات الدبلوماسية لوقف التصعيد، أو من خلال الدعم الإغاثي الذي لم ينقطع يومًا.
في هذا السياق، تبرز مساهمة الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية في القافلة الإغاثية التاسعة للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، كدليل إضافي على هذا الالتزام المصري الراسخ. إذ شاركت الهيئة بشاحنتين محملتين بـ 52 طنًا من المساعدات الغذائية، في خطوة تعكس التكاتف الوطني الذي تتبناه المؤسسات الدينية والمدنية المصرية، وتؤكد أن دعم الأشقاء الفلسطينيين هو مسؤولية جماعية تتجاوز أي اعتبارات دينية أو طائفية.
الهيئة الإنجيلية: رسالة حب وأمل تتجاوز الحدود
تعتبر الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية من المؤسسات الرائدة في العمل الأهلي بمصر، حيث تنشط في العديد من المجالات التنموية، ومنها الرعاية الصحية والتعليم وتمكين الفئات المهمشة، بالإضافة إلى دورها البارز في تقديم المساعدات الإنسانية في أوقات الأزمات. وفي هذا الإطار، تأتي مساهمتها في القافلة التاسعة للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي كجزء من التزامها المستمر بدعم الفئات الأكثر احتياجًا، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجغرافيا.
الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، عبّر عن هذا التوجه بوضوح في تصريحاته، حيث أكد أن “العمل الإنساني ليس مجرد واجب، بل هو رسالة حب وأمل تحمل النور لمن قست عليهم الظروف، وتعيد لهم الإحساس بالكرامة والأمان.” هذه الكلمات تعكس جوهر العمل الإنساني الذي تقوم به الهيئة، والذي يتجاوز المفهوم التقليدي للمساعدات ليصبح تعبيرًا عن قيم التضامن والرحمة التي تمثل جزءًا أصيلًا من الهوية المصرية.
كما شدد الدكتور القس أندريه زكي على الدور الوطني والإنساني الذي تقوم به الدولة المصرية ومؤسساتها في تخفيف معاناة الفلسطينيين، معتبرًا أن مصر تقدم نموذجًا يُحتذى به في الالتزام بالقيم الإنسانية والتضامن الإقليمي. فالموقف المصري لم يقتصر على إرسال المساعدات، بل تعداه إلى توفير ممرات آمنة لدخول الإغاثة عبر معبر رفح، بالإضافة إلى جهودها الدبلوماسية المستمرة لوقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات بشكل منتظم.
التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي: نموذج جديد للعمل الجماعي
إن مشاركة الهيئة القبطية الإنجيلية في القافلة التاسعة تأتي ضمن إطار أوسع من التعاون الأهلي في مصر، تجسده مبادرات التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي. هذا التحالف، الذي يضم عددًا من كبرى المؤسسات والجمعيات الأهلية المصرية، يعمل بشكل منظم على توفير الدعم الإغاثي للفئات المتضررة، سواء داخل مصر أو خارجها.
مدير المواقع التنموية بوجه بحري في الهيئة القبطية الإنجيلية، الأستاذ رفيق ناجي، أشار إلى أن القافلة ضمت كميات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية، معربًا عن امتنانه لجهود المتطوعين الذين عملوا على مدار الأيام الماضية لتجهيز الشاحنات وضمان وصولها بسرعة وكفاءة. هذه الروح التعاونية بين المؤسسات والمتطوعين تعكس مدى تطور العمل الأهلي في مصر، حيث أصبح أكثر تنسيقًا وكفاءة وتأثيرًا.
أبعاد ورسائل متعددة للمبادرة
لا يمكن فصل هذه المبادرة عن السياق الأوسع للسياسة المصرية تجاه غزة، فهي تحمل في طياتها عدة رسائل على المستويين الداخلي والخارجي:
1. داخليًا: تأكيد على وحدة النسيج الوطني
تبرز مساهمة الهيئة الإنجيلية في قوافل الإغاثة كدليل قاطع على تماسك المجتمع المصري، حيث تتكاتف المؤسسات الإسلامية والمسيحية معًا لدعم القضايا الإنسانية. هذه الصورة تعكس قوة الوحدة الوطنية في مصر، التي لا تقتصر على المناسبات الداخلية، بل تمتد إلى المواقف الإقليمية والدولية.
2. إقليميًا: استمرار الدور المصري في دعم فلسطين
منذ عقود، كانت مصر الحاضنة الرئيسية للقضية الفلسطينية، سواء عبر دعمها السياسي أو عبر المساعدات الإنسانية المتواصلة. وتأتي هذه القافلة كحلقة جديدة في سلسلة طويلة من المواقف المصرية الداعمة للشعب الفلسطيني، لتؤكد أن التزام القاهرة تجاه غزة لم ولن يتراجع، مهما كانت الظروف.
3. دوليًا: مصر كدولة إنسانية رائدة
في ظل الأوضاع المتأزمة عالميًا، تسلط هذه المبادرة الضوء على مصر كنموذج للدولة المسؤولة إنسانيًا، حيث لا تقتصر جهودها على حماية مصالحها الداخلية، بل تمتد إلى دعم الاستقرار الإقليمي وتعزيز القيم الإنسانية على نطاق أوسع.
الهيئة الإنجيلية والعمل الإنساني: رؤية ممتدة للمستقبل
لم تكن هذه المرة الأولى التي تساهم فيها الهيئة القبطية الإنجيلية في تقديم المساعدات، ولن تكون الأخيرة. فهذه المؤسسة تمتلك سجلًا حافلًا في مجالات التنمية والمساعدات الإنسانية، وتسعى دائمًا إلى تعزيز دورها في خدمة المجتمع، سواء داخل مصر أو خارجها.
وتتجلى أهمية هذا الدور في تصريحات القس أندريه زكي، الذي شدد على أن العمل الإنساني يجب أن يكون رسالة مستمرة، وليس مجرد استجابة ظرفية للأزمات. فالمساعدات وحدها ليست كافية، بل يجب أن تترافق مع رؤية طويلة الأمد تضمن تحسين حياة المتضررين، وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة للنهوض بمجتمعاتهم.
ختامًا: مصر.. قلب ينبض بالإنسانية
تظل مصر، بمؤسساتها المدنية والدينية، نموذجًا فريدًا في التكافل والتضامن الإنساني. وما تقدمه من دعم مستمر لغزة هو دليل على أن العمل الإنساني ليس مجرد تبرعات عابرة، بل هو التزام أخلاقي ووطني متجذر.
وتأتي مبادرة الهيئة القبطية الإنجيلية كجزء من هذا المشهد المضيء، حيث تعكس مدى قدرة المجتمع المدني المصري على الاستجابة للأزمات بفاعلية وسرعة. وهي رسالة للعالم بأن مصر ستبقى دائمًا في طليعة المدافعين عن القيم الإنسانية، وستواصل دورها في مد يد العون لكل من يحتاج إليها.