تحقيق: هبة مصطفى
منذ أن أعلنت غرفة العمليات العسكرية في سوريا عن سقوط النظام وهروب الرئيس في 8 ديسمبر 2024، تسارعت وتيرة الأحداث بشكل خطير. فقد استغل جيش الاحتلال الإسرائيلي الفوضى، وشن هجمات مدمرة على البنية التكنولوجية والأسلحة الاستراتيجية في سوريا، ثم توغل في بعض المناطق السورية، مُعلناً السيطرة على أجزاء من الجولان. ووسط هذه الفوضى، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلغاء اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، مما جعل سوريا ساحة مفتوحة للصراع، في خطوة تعزز من حلم إسرائيل القديم بإقامة “دولة إسرائيل الكبرى من النهر إلى النهر”.
تركيا واللعب على وتر الخلافة
في ظل هذا المشهد المضطرب، يبرز الدور التركي بوضوح، حيث تسعى أنقرة إلى تحقيق حلم الخلافة من خلال دعم الجماعات الإسلامية المسلحة، مع العمل على القضاء على الأكراد. فقد تمكنت هذه الجماعات، التي تحظى بتمويل دولي، من الاستيلاء بسهولة على السلطة، لتفرض نفسها كسلطة أمر واقع، رغم افتقارها إلى أي هيكل حقيقي للحكم.
تحذيرات من تهديدات الإرهاب العابر للحدود
حذر اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي والعسكري، من تداعيات الأوضاع في سوريا على الأمن القومي المصري. وأوضح أن عودة إرهابيي تنظيم داعش والفصائل الإرهابية والتكفيرية الأخرى، بقيادة أبو محمد الجولاني، قد تؤدي إلى موجة جديدة من التهديدات الأمنية لمصر. كما توقع اللواء فرج أن تشهد سوريا انقلابات وصراعات داخلية بين الجماعات المتطرفة، خاصة في حالة نشوب خلافات على اقتسام الغنائم، مما قد يؤدي إلى إقصاء الجولاني من المشهد خلال الفترة القادمة.
تحليل جيوسياسي: سلطة أمر واقع بلا شرعية
من جانبه، أكد الكاتب الصحفي والمحلل الجيوسياسي أسامة الدليل أن الجماعات المسلحة التي فرضت سيطرتها على دمشق ليست قيادة حقيقية وفقاً لمفاهيم العلاقات الدولية. فهي لا تمتلك هيكلاً حاكماً واضحاً، بل تنتمي إلى تنظيمات مصنفة إرهابية دولياً، وعلى رأسها أبو محمد الجولاني (أحمد حسين الشرع)، المطلوب دولياً، والذي رُصد لرأسه ملايين الدولارات.
الدليل شدد على أن ما يحدث في سوريا لا يعكس وجود دولة حقيقية، بل مجرد سلطة مفروضة بالقوة، رهينة لمن سلحها ودربها ومولها، مما يجعلها غير قادرة على بناء دولة مستقلة ذات سيادة. وأضاف أن هناك محاولات دولية لإعادة هندسة المشهد السوري بما يتناسب مع المصالح الغربية، وهو ما ظهر جلياً في زيارات مسؤولين أوروبيين، مثل وزيرة الخارجية الألمانية، التي أكدت أن التمويل الدولي لأي كيان حاكم في سوريا لن يكون متاحاً في ظل وجود جماعات إسلامية متطرفة في السلطة.
سوريا الجديدة.. أم كيان هجين؟
تساءل الدليل: “عن أي سوريا جديدة يتحدثون؟ وبأي منهج؟”. وأوضح أن الجولاني، الذي نشأ في بيئة جهادية تكفيرية، يسعى إلى تقديم نفسه كبديل ديمقراطي، رغم أنه لا يعترف بالدستور، أو القانون، أو المساواة بين الرجل والمرأة، أو مفهوم دولة المواطنة، بل يعتبر كل ذلك كفراً بواحاً.
وأكد أن هذه السلطة لن تحصل على أي اعتراف دولي إلا إذا استجابت للشروط المفروضة عليها، مثل الرضوخ للإرادة الصهيونية في احتلال جبل الشيخ والأراضي السورية التي استولت عليها إسرائيل، خاصة في ظل انهيار الجيش السوري وتحول البلاد إلى دولة منزوعة السلاح.
تداعيات على الأمن الإقليمي.. ومصر في مأمن
يرى محللون أن بعض القوى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين، يروجون لفكرة “تأثير الدومينو”، التي تزعم أن سقوط النظام السوري سيؤدي إلى تداعيات مماثلة في دول أخرى، كما حدث خلال “الربيع العربي” عام 2011. لكن الواقع يؤكد أن الوضع مختلف تماماً بالنسبة لمصر.
أوضح الدليل أن مصر ليست عرضة لنفس التهديدات التي تواجهها سوريا أو العراق، إذ لا توجد في مصر جماعات مسلحة نشطة مثل هيئة تحرير الشام أو جماعة نور الدين زنكي. وأضاف أن التجربة المصرية في التعامل مع الجماعات الإرهابية كانت حاسمة، حيث تم القضاء عليها بشكل جذري، خلافاً لما حدث في سوريا، حيث سمح النظام بخلق بيئات حاضنة لهذه التنظيمات في إدلب ودرعا.
كما شدد على أن مصر تتمتع بقوة عسكرية رادعة، حيث تحتل المرتبة 15 عالميًا في تصنيف «جلوبال فاير باور»، متفوقةً على إسرائيل، التي تحتل المرتبة 17، بينما تأتي القوات الجوية المصرية في المرتبة الثامنة عالميًا، مقابل المرتبة التاسعة عشرة لإسرائيل.
تحذيرات من مستقبل متفجر في سوريا
من جانبه، حذر الدكتور صبره القاسمي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، من أن تولي الإدارة الجديدة في سوريا للحكم سيؤدي إلى مزيد من التصعيد والتوتر، نظراً لأن الشخصيات التي تتزعم هذه الحكومة المؤقتة هم خارجون عن إطار القانون الدولي.
وأكد أن تولي هذه العصابات للحكم، حتى ولو مؤقتًا، سيؤدي إلى تقويض أي جهود دولية لإيجاد حل سياسي للأزمة، بل قد يعزز من انتشار التطرف، حيث قد تستغل التنظيمات الإرهابية الوضع لتجنيد المزيد من المتطرفين في دول الجوار، وحتى في الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
هيئة تحرير الشام.. خطر خارج السيطرة
يعتقد القاسمي أن هيئة تحرير الشام تخدع الجميع، فهي لن تكون تحت السيطرة، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، بل قد تعود إلى طبيعتها المتطرفة، مما يشكل تهديدًا خطيرًا على المنطقة.
الموقف المصري: الحياد الحذر
أشاد القاسمي بالموقف المصري، الذي يتسم بالتعقل والاتزان، حيث لم تتسرع مصر في منح أي اعتراف رسمي لهذه الجماعات، خلافًا لما فعلته بعض الدول. وأوضح أن مصر تتخذ إجراءات احترازية لحماية أمنها القومي، مثل فرض قيود مشددة على دخول السوريين، باستثناء المصرح لهم بذلك، لتجنب تسلل عناصر إرهابية تحت ستار اللجوء.
مصر.. الحصن الحصين
ختامًا، يؤكد المحللون أن مصر في وضع آمن، بفضل سياستها الحازمة في مواجهة الإرهاب، وقوتها العسكرية المتقدمة، ووعيها السياسي العميق، مما يجعلها بمنأى عن الفوضى التي تعصف بسوريا ودول أخرى في المنطقة.