بقلم الدكتور كمال مغيث
عيد الغطاس طقس معروف عند المسيحيين، يحتفلون به في شهر يناير لذكرى تعميد يوحنا المعمدان ليسوع المسيح في نهر الأردن. وإلى هنا، ليس هناك علاقة بين ما ذُكر في الأناجيل وموضوع أكل القلقاس أو مص القصب، إنما هي العبقرية والحضارة المصرية الزراعية، والشغف المصري القديم بإضافة الطقوس والنكهات المختلفة إلى أعيادهم، ليضيفوا إلى دياناتهم مذاقًا خاصًا، متميزًا وحلوًا.
ويأتي الربط بين القلقاس والعقيدة المسيحية من طريقة تخزين القلقاس. فالمعروف أن طرق التخزين تتنوع وتختلف؛ فالقمح يُخزن في صوامع مرتفعة على أسطح البيوت غالبًا، والفول يُخزن في تجاويف تحت الأرض “مكامير”، والسمن البلدي “الزبدة” يُسيّح للتخلص من بقايا الحليب والملح في “المورتة”، ويوضع السائل السائح ليتجمد في بَرّاني، وأنواع من الخبز “البتاو” تُترك لتجف تمامًا ثم تُخزن، وتُبلل وتُقمر عند أكلها، والجبن القريش يُوضع في “المِش” شديد الملوحة، كما يُملح السردين والفسيخ.
أما طريقة تخزين القلقاس، فهي بالدفن في الأرض. كانت أمي، في موسم القلقاس، تشتري جوالًا مملوءًا به وتطلب مني مساعدتها في حفر قطعة الأرض الملحقة ببيتنا – المهم أن تكون جافة – ثم يُفرغ فيها القلقاس ويُدفن بإهالة التراب عليه حتى يختفي. وعند رغبتها في طبخ القلقاس، تطلب مني أن آخذ “المِنْقَرة” وأحفر الأرض التي أعرفها بالطبع، وأستخرج لها قلقاستين. فكأن فكرة الموت والدفن والعودة للحياة هي الرابط بين المسيحية والقلقاس.
أما القصب، فأعتقد أن الربط بينه وبين المسيحية يعود لطبيعة زراعته. فطرق الزراعة تتنوع؛ فالذرة والقمح والفول تُزرع ببذر البذور في الأرض الجافة، أما البرسيم فتُبذر بذوره في الأرض التي تغطيها المياه، والأرز يُزرع بشتل نباتاته الصغيرة، والبطاطا تُزرع بغرس فروعها في الأرض، أما الموز والنخيل فيُزرعان بالفسيلة أو بأخذ الشجيرات الصغيرة التي تنبت من جذور النباتات الكبيرة، ثم تُزرع بعيدًا عن الشجرة الأم.
أما القصب، فيُزرع بطريقة الترقيد؛ فبين العُقلة والعُقلة من القصب يوجد برعم صغير، فتُقطع من وسط العُقلة إلى وسط العُقلة التي تليها، بحيث يبقى البرعم سليمًا، ثم تؤخذ تلك العُقلة التي تضم البرعم ليتم ترقيدها في الأرض وتغطى بحفنة قليلة من التراب، لينمو البرعم ويشب، وكأنه “رقد على رجاء القيامة”.
وكل سنة وأهلنا وبلدنا بخير… يسعد أوقاتكم.