لم أكن أتصور يومًا أن أجد نفسي في مواجهة هذه الحقيقة المرة: العديد من المثقفين والسياسيين المصريين، الذين لطالما اعتبرناهم رموزًا للتقدمية والليبرالية، أصبحوا يروجون لدعم جماعات دينية متطرفة، في الوقت الذي يستشهد فيه أبناء وطننا ودمائهم تسيل على تراب سيناء.
هؤلاء الذين يرفعون شعارات التطور والحداثة، يقفون اليوم في صف جماعات متعصبة ترفض الآخر وتعارض التنوع الثقافي والفكري الذي يعد جزءًا لا يتجزأ من حضارتنا العربية . وما يجعل الأمر أكثر مرارة هو أن هذه القوى التي طالما تحدثت عن التقدم والحداثة، تغاضت عن دماء الشهداء من أبنائنا في سيناء، ودعمت تلك الجماعات التي تدمّر أمن واستقرار وطننا.
مخططات الاحتلال الصهيوني
للأسف، حقق الاحتلال الصهيوني أهدافه، حيث تمكّن من تفتيت العالم العربي عبر دعم جماعات دينية متطرفة تعمل كأدوات لزعزعة الاستقرار في المنطقة. حماس وحزب الله تم تدميرهما، والنظام السوري الذي كان يشكل ركيزة مقاومة في المنطقة سقط في يد المتطرفين. سوريا جارتنا الحبيبة، تحولت إلى ساحة حرب مليئة بالجماعات الإرهابية التي تحتفظ كل منها بأجندتها الخاصة، واستولت علي أرضها لتصبح قاعدة جديدة لتنظيم “داعش”. بل وأكثر من ذلك، أصبحنا نرى البعض منا يفرح ويساند هذه الفوضى ويعتبرها جزءًا من “مقاومة” وهمية، دون أن يدرك أن هذه الحركات المتطرفة هي مجرد أدوات بيد القوى الأجنبية لزعزعة الاستقرار العربي.
الصحفيون الليبراليون والعلمانيون
أصبت بصدمة شديدة عندما اكتشفت أن الصحفيين الذين طالما عرفتهم على أنهم ليبراليون وعلمانيون، قد تحولوا إلى أداة دعاية للجماعات الدينية المتطرفة مثل حماس والجهاد وحزب الله. هؤلاء الذين اعتدنا أن نراهم يقفون في صف الحداثة والتقدمية، أصبحوا يروجون لجماعات لا تعترف بالآخر ولا تقبل أي من المشاريع الفكرية المتنوعة.
هؤلاء الذين كانوا يدّعون بأنهم حراس حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، أصبحوا الآن يقفون في صف جماعات تكفر الجميع وتدعو إلى القتل والتدمير. هذه الجماعات، التي تبني مواقفها على أساس ديني متشدد، ترفض المسيحيين وتنبذ الليبراليين والعلمانيين، وتعتبرهم أعداءً يجب القضاء عليهم.
أين هؤلاء الصحفيون والمثقفون من مواقفهم السابقة؟ أين اختفت مبادئهم التي طالما تغنوا بها في التعايش والحرية؟
التقدميون والناصريون
لا يمكن للمرء أن يصدق أن من كانوا يعتبرون أنفسهم رموز التقدمية والعقلانية في المجتمع قد أصبحوا في صف أولئك الذين يدعون إلى العنف والكراهية. هؤلاء التقدميون الذين كانوا في يوم من الأيام يرفضون أي نوع من أنواع التطرف، أصبحوا اليوم يبررون جماعات تشهر السلاح باسم الدين. إنهم يناصرون حركات ترفض التعددية الفكرية والثقافية في الوقت الذي يدّعون فيه أنهم أنصار التقدم والمساواة.
عليكم أن تعرفوا بأن دعم هذه الجماعات لا يعد فقط خيانة للقيم الإنسانية بل هو دعوة إلى تدمير كل ما ناضلنا من أجل بناءه من تعايش سلمي واستقرار.
لقد بلغ بهم الأمر إلى أن يروجوا لفكر لا يعترف بحقوق الإنسان أو احترام الآخر، بل يقومون بتسويغ كل تصرفات تلك الجماعات المتطرفة التي ترفض أي فكر مخالف. إن مواقف هؤلاء الصحفيين والمثقفين لا تعكس أي تقدم أو مدنية، بل هي نوع من الخداع والتضليل الذي يهدف إلى إلهاء الشعب المصري عن القضية الحقيقية التي تتمثل في الأمن والاستقرار الوطني.
المقاومة الفلسطينية و اللبنانية
نحن، ندعم الحق الفلسطيني، نقف بكل قوة مع المقاومة الفلسطينية التي تضم جميع مكونات الشعب الفلسطيني من المسلمين والمسيحيين، ومن التقدميين والليبراليين والاشتراكيين والناصريين وغيرهم. و لا نؤمن بمقاومة مفروضة أو مشوهة بآيديولوجيات دينية متطرفة، بل نؤمن بشعب واحد موحد في مواجهة الاحتلال الصهيوني، بكافة أطيافه الفكرية والدينية.
هذا هو جوهر المقاومة الفلسطينية الحقيقية، المقاومة التي تضم الجميع في صف واحد، لا فرق بين دين وآخر أو فكر وآخر.
أما في لبنان، فالمقاومة اللبنانية التي يقف فيها جميع مكونات الشعب اللبناني جنبًا إلى جنب، في مواجهة الاحتلال وأطماع القوى الأجنبية. و نرفض أن تكون هذه المقاومة مجرد أداة بيد إيران أو أي قوة خارجية، تستخدمها كما لو كانت ريموت كنترول لتحقق مصالحها الخاصة.
لا ندعم جماعات دينية تقودها أجندات خارجية، بل نؤمن بحقه في التحرر والاستقلال بعيدًا عن أي تدخلات أو أيديولوجيات تتبنى العنف باسم الدين.
على حساب دماء أبنائنا
لا أحد يدعم الاحتلال الصهيوني أو يقبل بوجوده. لكن في الوقت نفسه، نجد اننا ندمّر مشاريعنا الفكرية والثقافية بأيدينا لصالح دعم جماعات متطرفة قتلت أبناءنا في الجيش والشرطة. هؤلاء الذين استشهدوا في مواجهة تلك الجماعات الإرهابية التي تجرأت على أرضنا، والتي تسببت في استشهاد وإصابة أكثر من عشرة آلاف شهيد وجريح.
ما قيمة الدعم الذي نقدمه لهذه الجماعات التي تسببت في كل هذا الخراب؟ ألم نكن أولى بأن نستثمر قوتنا الفكرية والثقافية لصالح وطننا وأمننا؟ أليس من الأفضل لنا أن نتمسك بمبادئنا القومية والوطنية، ونحارب الإرهاب بكل أشكاله بدلاً من دعم مشاريع تقف في طريق السلام والاستقرار؟
الاحتلال والمقاومة
تاريخنا في المقاومة ضد الاحتلال رفضنا تشكيل جماعات دينية تواجه الاحتلال بل خطب الشيوخ في الكنائس، وذهب القساوسة الي منابر المساجد، لم وواجهنا الاحتلالات الأجنبية، كنا دائمًا نرفض تقديم قضيتنا من منظور ديني أو طائفي. المقاومون المصريون، سواء في مواجهة الاحتلال الإنجليزي أو الفرنسي أو أي قوة استعمارية أخرى، لم يقاوموا الاحتلال بدوافع دينية ضيقة. كانت مقاومتهم مدفوعة بحب الوطن والرغبة في الاستقلال الوطني، لا في ترويج أجندات دينية.
كانت مقاومة شعبنا تستند إلى تاريخ عظيم وارث حضاري ممتد عبر ٧ الاف عام من التمسك بالحضارية والقيم الإنسانية والدفاع عن الوطن وليس التفريق بين المواطنين وفقًا لدينهم أو معتقداتهم.
متى أصبحنا نصطف مع المتطرفين؟
إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: متى تحول الصحفيون والمثقفون المصريون من دعاة التقدم والانفتاح إلى دعاة لدعم جماعات تروج للأفكار المتطرفة؟ أليس من الأجدر أن يتمسك هؤلاء بمبادئهم الثقافية والفكرية التي طالما ادعوا أنها أساس تقدم المجتمع؟ إن دعم جماعات مثل حماس والجهاد وحزب الله يتناقض بشكل صارخ مع القيم الإنسانية التي يجب أن نعتز بها. ونحن الآن بحاجة ماسة إلى الوقوف ضد هذه الظاهرة التي تتسلل في مجتمعاتنا الفكرية والسياسية.
في النهاية، يجب أن نتذكر دائمًا أن مقاومة الاحتلال حق مشروع لكل الشعوب، ولكن يجب أن تكون المقاومة مستمدة من قيم إنسانية شاملة وليس من أيديولوجيات دينية ضيقة. نحن منصورون، لأننا شعب يرفض التفرقة ويستند إلى قواه الوطنية في مواجهة أي تهديد، مهما كانت طبيعته.