يقولها قائل أريب لولا (25 يناير) ما كانت ( 30 يونيو)، هكذا تصح مقاربة المهموم بمقاصد الوطن العليا، بوطنية يقرب المسافات بين ثورتين عظيمتى الأثر، مصر بعد (30/25) ليست مصر قبلهما، مصر بعدهما شابة قوية عفية طامحة إلى نهضة تسمى اختصارا «الجمهورية الجديدة». المقاربة بين (يناير ويونيو) تصح وفى موقعها الصحيح، المفارقة تظلم الثورتين، يقينا كلاهما يكمل الآخر، أبدا لا يمزقان بعضهما، والعاملون على الفتنة بين الثورتين يستبطنون ثأرا من الشعب المصرى العظيم. ثورة (25 يناير)، والبعض يستنكف تسميتها (ثورة) وهذا تقديره السياسى، يقينا كشفت الغطاء عن «إخوان الشيطان» الذين بغوا فى البلاد، كما أن (ثورة 30 يونيو) كانت استعادة لهوية وطن سرقت فى غفلة، فاستيقظ المصريون على حالة استلاب ، وبغى وتجبر من كانوا فى مكتب الإرشاد، فطفق المصريون يهتفون يسقط يسقط حكم المرشد.. زلزلوا جبل المقطم فسقطت الخلافة المزعومة من حالق.. الفصل بين (يناير ويونيو) كما فصل التوائم الملتصقة، المعروفة بالتوائم السيامية، توءم متماثل ارتبط جسدهما فى الرحم. وهى ظاهرة نادرة سياسيا.
خطير جدا هذا الفصل التعسفى، يخشى منه على الحياة، عملية الفصل السياسى التى تجرى فى غرف العمليات المظلمة ليست فى مصلحة الوطن، تصب فى قناة المتربصين بأغلى اسم فى الوجود. المتحزبون على الجانبين، عليهم التخفف قليلا من غلوائهم السياسى، ويثوبون إلى رشدهم الوطنى، ويعذر بعضنا بعضا، لكل ثورة حسناتها، وخطيئة ثوار يناير تسليم مقودهم لإخوان الشيطان، اختطفت منهم وهم عنها غافلون، فلما استفاقوا على صوت شعب هادر فى الميادين، لم يستوعبوا النقلة الثورية، من مربع الشعارات إلى واقع مخيف . مصر بعد يناير كانت على شفا جرف هار، كادت تسقط فى صدع عميق، لولا عناية الله ونفرة جيشها العظيم لإنقاذ البلاد والعباد من شر خلافة إخوانية ثيوقراطية وملك عضوض.
المقاربة مستوجبة، لأنّ الشقاق بين الثورتين لا يبنى جدارا فى بناية الوطن، التحزب لأيهما منقوص من كمال الأخرى، والثورات فى تاريخ الشعوب تراكم، والبناية على طبقات تترجم علو وثبات البناء على قواعد راسخة، ملخص الثورتين، عيش، حرية، عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية، ترجمة أمينة لشعارات الثورة الأم، يوليو 1952. المستفيد الوحيد من المفارقة بين الثورتين، هم إخوان الشيطان، والمؤلفة قلوبهم، والفتنة بين رجالات يونيو وشباب يناير مصطنعة، وللأسف وقع فى الفتنة البعض، وطفق يردد مقولات إخوان الشيطان. الثابت بيقين (ثورة يونيو) أطاحت خلافة الإخوان، و(ثورة يناير) كادت تضيع من أيدى الشباب، والجيش الوطنى العظيم استرد الوديعة، أعاد الوطن لناسه، وأكرم دستور 2014 ثورة يناير، ووضعها فى أعلى عليين، فى مصاف الثورات العظيمة، راجع مقدمة الدستور لتقف على موقع ثورة يناير من الإعراب الوطني.
ويل للمنكرين، إنكار (ثورة يناير) يترجم ظلما تاريخيا، كما أن إنكار (ثورة يونيو) أشد ظلما، لا (يناير) تنكر (يونيو) ولا (يونيو) تمحق (يناير)، كلاهما ثورتان قام بهما شعب أبى، وكما تغنت كوكب الشرق «أم كلثوم» من كلمات طيب الذكر «كامل الشناوى».. «وصاح من الشعب صوت طليق / قوى، أبى، عريق، عميق / يقول : أنا الشعب والمعجزة انا الشعب لا شىء قد أعجزه / وكل الذى قاله أنجزه ..».
(يناير) فى مقابل (يونيو)، أخشى فيلم سياسى هابط مصنوع فى أقبية استخباراتية عتيدة فى إشاعة الفتن لمزق النسيج المجتمعى، يناير مقابل يونيو، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى، قسمة ظالمة، لا محل لها وطنيا، برئنا من الهوى السياسى، هرمنا ونحن نحترب، بعضى يمزق بعضى، بصراعات وهمية موهومة من قبيل الاجترار السياسى العقيم. فلنترك الجدال العقيم خلف ظهورنا، أمامنا طريق صاعد قطعنا شوطا صعيبا وتليه أشواط واعرة، فى حاجة للوقود الحيوى، زاد وزواد فى رحلة وطن يستحق الحياة. مخزون الثأرية المستبطنة مقلق للحادبين على اللحمة الوطنية، أخشى الفرقاء حائرين، يتساءلون، وكل ينحاز، ويحترب، هناك من ينفخ فى نار الفتنة المجتمعية على أرضية سياسية زلقة، تقذف بنا جميعا أسفل جبل المقطم. المطلوب وطنيا الحوار بين الفرقاء، هذا أوان الحوار، الحوار هو الحل، والقاعدة الحوارية المستدامة «نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه»، والمختلف عليه وطنيا يستحق الحوار، والمتفق يجلى حقيقة يتغافل عنها كثير، وملخصها بصوت كوكب الشرق «أنا الشعب لا أعرف المستحيلا.. ولا أرتضى بالخلود بديلا..».