بقلم الدكتور – جمال شعبان؛
أطلقوا اسمه على أهم المطارات والميادين، وادعموه للحصول على نوبل… بمناسبة اختراعه الجديد للصمامات البشرية الذي سيخفف المعاناة عن ملايين البشر بإذن الله.
عظمة تجسدت في إنسان
لا شك أن السير مجدي يعقوب هو أحد هؤلاء الأشخاص الذين تفرض هيبتهم حضورها قبل أن ينطقوا بكلمة. عريض الجبهة كأنه رمسيس، ضافي المهابة كأنه قديس، قوي الملامح، بارز عظام الوجنتين، حاد العينين كأنهما عينا صقر تترصد تفاصيل الحياة، تُشع من نظراته عبقرية لا تخفى على أحد.
تلك العبقرية التي تقف شامخة، لكنها في الوقت ذاته لا تحجب عن ملامحه تلك الابتسامة العذبة التي تعكس إنسانيته العميقة. ابتسامة كأنها رحيق نقي من قلوب الأطفال الذين أنقذهم، أو قبس مضيء من نور قلبه الذي ينبض بحب الإنسان والحياة.
حلم صغير صنع أسطورة عالمية
بدأت قصته مثل قصص العظماء، بحلم بسيط نما بداخله في صغره. كان طفلاً صغيراً عندما رأى الموت يخطف قريبته بسبب عيب في صمام قلبها، مشهد ترك في قلبه الصغير أثراً لا يمحى، وأشعل داخله رغبة قوية في تغيير هذا الواقع القاسي. لم يكن مجرد حلم طفولي عابر، بل تحول إلى مسار حياة كامل، إلى رحلة ملحمية قادته ليصبح أحد أعظم جراحي القلب في العالم.
لقد بدأ ذلك الطفل الحالم رحلته العلمية الطويلة من القاهرة، حيث تلقى تعليمه الأساسي، ثم انطلق بعدها إلى شيكاغو عبر الأطلسي لاستكمال دراسته، ومنها إلى لندن حيث وضع بصمته الكبرى في مجال جراحة القلب. رحلة طويلة امتدت عبر القارات لكنها كانت دائماً محكومة برغبة واحدة: إنقاذ الأرواح وإعادة الأمل لمن يظنون أن قلوبهم ستخونهم في منتصف الطريق.
السير مجدي يعقوب… منارة العلم وأيقونة الإنسانية
توجت هذه المسيرة الأسطورية بإنجازات جعلت منه ليس فقط جراح قلب بارع، بل رمزاً عالمياً للعطاء الإنساني. لم يقتصر دوره على ابتكار تقنيات جديدة أو إجراء عمليات معقدة، بل امتد ليشمل تأسيس مراكز طبية متخصصة في جراحات القلب، تهدف إلى تقديم الرعاية الصحية لغير القادرين.
مجدي يعقوب هو صورة مشرقة للعلم حين يتجاوز حدوده الأكاديمية ويصبح رسالة إنسانية. لم يكن مجرد طبيب يسعى إلى الشهرة أو المال، بل كان فارساً نبيلاً، زاهداً في الأضواء، عاشقاً للبسطاء، يفرح بابتسامة طفل شفي من مرضه أكثر مما يفرح بنجاح عملية معقدة.
بين العلم والفن… شخصية متعددة الأبعاد
ما يميز السير مجدي يعقوب عن غيره من العلماء أنه ليس مجرد طبيب بارع أو جراح ماهر، بل هو شخصية متعددة الأبعاد. فإلى جانب عشقه للطب، كان عاشقاً للفن والموسيقى. لم يكن يرى في الموسيقى مجرد أصوات جميلة، بل كان يعتبرها غذاءً للروح، وسيلة لترميم القلوب التي أنهكتها الحياة.
اقتنى اللوحات الفنية، وتأمل في درر الحكمة، وجاب أنحاء العالم يلتقط من كل حضارة ما يثري روحه ويغذي فكره. ولذا يبدو السير مجدي يعقوب وكأنه هرم رابع يقف شامخاً بجانب أهرامات الجيزة، ينافس في عظمته معابد وادي الملوك، ويحمل في داخله إرث الحضارة المصرية التي علمت العالم معنى الخلود.
زاهد في الأضواء… فارس بلا مقابل
ورغم كل هذه الإنجازات، لم يسعَ السير مجدي يعقوب إلى الشهرة، ولم يتهافت على الأضواء. كان زاهداً في الإعلام، ولو أراد لجعلت الميديا منه نجماً لامعاً في كل لحظة. لكنه كان يفضل الابتعاد عن ضوضاء الشهرة، مكتفياً بتأدية رسالته النبيلة في صمت. لم يطلب حظوة عند سلطان، ولم يسعَ إلى التقرب من أصحاب النفوذ، بل كان قريباً من قلوب المرضى، حاضراً في وجدان الفقراء الذين وجدوا فيه طوق نجاة ومصدر أمل.
مدينة جديدة على طريق المجد
واليوم، ومع وضعه حجر الأساس لأكبر مدينة طبية متخصصة في جراحات القلب بالقرب من أهرامات الجيزة، يثبت السير مجدي يعقوب مرة أخرى أنه ليس مجرد جراح قلب، بل هو صانع معجزات حديثة، يواصل مسيرة الخلود التي بدأها أسلافه الفراعنة. هذه المدينة لن تكون مجرد صرح طبي، بل ستكون شاهدة على ملحمة إنسانية جديدة تسطرها مصر في سجل التاريخ.
إنها خطوة جديدة على درب المجد، ومسيرة أخرى نحو الخلود، لتبقى إنجازات السير مجدي يعقوب محفورة في ذاكرة الأجيال، وترتفع اسمه شامخاً إلى جوار أعظم القامات في تاريخ الإنسانية.
السير مجدي يعقوب… أسطورة بحجم الوطن وأمل بحجم العالم
حين نتحدث عن السير مجدي يعقوب، فإننا نتحدث عن قصة إنسانية ملهمة، عن رجل استثنائي استطاع أن يضيء شمعة في ظلام المعاناة، أن يعيد نبض الحياة إلى القلوب المتعبة، وأن يقدم للعالم درساً في كيف يمكن للعلم أن يكون رسالة حب وأمل وسلام.
أطلقوا اسمه على المطارات والميادين، وادعموه للحصول على نوبل، فهذا الرجل ليس مجرد طبيب، إنه أيقونة مصرية، وعلامة مضيئة في سجل الإنسانية.
الدكتور جمال شعبان
عميد معهد القلب السابق