ليس المقصود بالتجاوز هنا تجاوز الحدود في التعامل اللائق مع الآخرين، وإنما المقصود هو تجاوز ما يطرحه الآخرون من أفكار من خلال إعمال العقل والتفكير النقدي فيما يطرحونه من أفكار وآراء. وشتان بين هذا النوع من التفكير النقدي الذي يركز على الأفكار يحللها ويفككها من أجل البناء والخروج بأفكار جديدة، وهذه قدرة لا يمتلكها إلى باحث مجد يقدر قيمة المعرفة وأهميتها على المستوى الشخصي وعلى المستوى العام ولا يقدرها من يدير ظهره للمعرفة والقراءة وإعمال العقل فينتقل من نقد الفكرة للتجريح في شخص قائلها، والابتعاد تماما عما يطرحه من أفكار..
عندما كتب الصديق العزيز الدكتور أحمد حمدي درويش تعليقا نقديا مطولاً على مقالي “القمع المقدس.. رؤية فلسفية عميقة في أزمة الإنسان”، اقترحت عليه تطوير هذه الفكرة لنشرها في مقال على موقع المشهد، فكان هذا المقال (تم حذف لينك المقال كتعليق أيضاً واحتراماً لقواعد النشر في موقع الفيسبوك أرجو من الزملاء الراغبين في قراءة المقال قراءته على موثع المشهد)، الذي أراه مقدمة لحوار أوسع حول القضايا التي نبه إليها بخصوص كيفية التعامل مع أزمة الإنسان وكيفية تجاوزها وطرح الكاتب أجندة للتفكير والبحث في عدد من القضايا والتجارب التي يمكن دراستها والتعلم منها..
لا شك أن مجتمع المثقفين لدينا يعاني أمراضا معلومة للجميع ولا نريد أن ندفن رؤوسنا في الرمال لعدم رؤيتها مثلما يفعل النعام، وهي أمراض لها أسباب معلومة أشار إلى بعضها الأستاذ فتحي غانم في كتابه الذي صدر عن دار أخبار اليوم بعنوان “معركة بين الدولة والمثقفين” والذي يشرح فيه كيف تمت السيطرة على عقول المصريين، ولا شك أن جانبا من تلك الأمراض أصاب قدرة المثقفين المصريين على التفكير المستقل حين جرى سلب المثقف من الشرط الأساسي لوجوده كمثقف، ألا وهو التفكير بحرية وباستقلالية متحررا من أجل ترهيب قد تمارسه السلطة أو يمارسه الجمهور.. فالتفكير المستقل والنقدي والمتجاوز للواقع هو شرط أساسي بدونه لا يمكن الحديث عن المثقف، هذا الحوار الذي اتطلع إليه بمناسبة هذا المقال يفتح طريقاً أمام من يرغب للمشاركة لتطوير التفكير في القضايا المطروحة وهو دعوة مفتوحة لمن يرغب في المشاركة.. اتمنى لكم قراءة ممتعة لمقال الدكتور أحمد حمدي درويش وللمقال الأصلي لمن لم يقرأه واتطلع لرؤية مساهمات الأصدقاء والزملاء والمهتمين..