في كل مرحلة حرجة من تاريخ الأمم، يظهر قادة عظماء يحملون على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على وحدة شعوبهم في مواجهة الأزمات والتحديات. هؤلاء القادة لا يتسمون فقط بالذكاء السياسي أو الكاريزما، بل يمتلكون رؤية عميقة ترتكز على الحكمة، التسامح، والمحبة، ومن بين هؤلاء يبرز اسم قداسة البابا تواضروس الثاني، الذي أصبح بحق “صوت العقل” في مصر، في زمنٍ كثرت فيه التحديات وسعت فيه أطراف عديدة إلى بث الفتنة وزرع الشقاق.
قداسة البابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لم يكن مجرد زعيم روحي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بل كان شخصية وطنية جامعة، استطاع أن يُقرّب بين القلوب، ويُعزز روح المحبة والسلام بين أبناء الوطن الواحد، حتى أصبح رمزاً للوحدة الوطنية وأحد أعمدة الاستقرار في مصر.
رجل المحبة والسلام.. جسد الوطنية في أبهى صورها
منذ توليه منصب البابا، أظهر تواضروس الثاني رؤية متميزة تقوم على نشر ثقافة التفاهم والتسامح بين أبناء الوطن. لم يكن هدفه فقط تعزيز دور الكنيسة القبطية في الحياة الروحية، بل كان لديه هدف أكبر يتمثل في ترسيخ قيم التعايش المشترك، وجعل المحبة أساساً للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين.
يؤمن البابا تواضروس بأن “المحبة تبني الأوطان”، ولذلك حرص دائماً في خطبه وتصريحاته على التأكيد بأن المصريين، على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم، نسيج واحد يجمعهم وطن واحد، وأكد أن أي محاولات لبث الفرقة بين أبناء هذا الوطن مصيرها الفشل. لقد كان رجل السلام في زمنٍ كثر فيه اللغط، وصوت الحكمة في أوقاتٍ اشتدت فيها الأزمات.
دوره في دعم الدولة المصرية
لا يمكن الحديث عن قداسة البابا تواضروس دون الإشارة إلى مواقفه الوطنية المشرّفة، خاصة خلال اللحظات العصيبة التي مرت بها مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو. في تلك الفترة الحساسة، لعب البابا دوراً محورياً في جمع الصفوف، ودعم القيادة السياسية، ووجه دعوات متكررة للمصريين للالتفاف حول الدولة للحفاظ على استقرار الوطن.
وعندما تعرضت مصر لسلسلة من الأحداث المؤلمة التي استهدفت الكنائس، كان موقف البابا تواضروس مثالاً يُحتذى به في الحكمة والتسامح، حيث دعا إلى ضبط النفس، وأكد مراراً أن “وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”، في رسالة واضحة بأن وحدة الوطن وسلامة أراضيه هي الأولوية القصوى التي لا يجب المساس بها تحت أي ظرف.
البابا تواضروس والرئيس السيسي.. علاقة احترام متبادل
تميزت علاقة البابا تواضروس بالرئيس عبد الفتاح السيسي بأنها علاقة مبنية على الاحترام المتبادل والعمل المشترك من أجل مصر. ولعل أصدق تعبير عن هذه العلاقة هو ما قاله الرئيس السيسي في أحد خطاباته عندما توجه إلى المصريين قائلاً:
“أوصيكم بقداسة البابا تواضروس، فأنا أحب هذا الرجل”.
هذه العبارة لم تكن مجرد كلمات مجاملة، بل كانت تعبيراً صادقاً عن الدور الكبير الذي لعبه البابا في توحيد صفوف المصريين، ودعمه الدائم للقيادة السياسية في مسيرة البناء والتنمية. لقد كان البابا تواضروس داعماً قوياً لمشروعات التنمية، ورأى في الرئيس السيسي قائداً قادراً على تحقيق نهضة شاملة لمصر، فدعا أبناء الكنيسة إلى الالتفاف حوله، ونجح في جمع المصريين خلف هذا المشروع الوطني الكبير.
جمع المصريين تحت مظلة واحدة
في زمن كثرت فيه الدعوات للتفرقة والتمييز، كان البابا تواضروس من أبرز الداعين إلى الوحدة الوطنية، مؤمناً بأن مصر لا يمكن أن تنهض إلا إذا توحد جميع أبنائها على قلب رجل واحد. ولم يكن هذا مجرد شعار يرفعه البابا، بل كان منهجاً عملياً تجسده مواقفه الوطنية، حيث كان حاضراً دائماً في كل المناسبات الوطنية الكبرى، ومسانداً للقيادة في كل القرارات المصيرية.
لقد أصبح البابا تواضروس رمزاً وطنياً تتوحد حوله القلوب، ورجلاً يجمع المصريين بمسلميهم ومسيحييهم تحت مظلة واحدة هي مظلة الوطن، فكان بذلك أحد أعمدة الوحدة الوطنية في مصر الحديثة.
التحديات التي واجهها.. وثبات المبدأ
لم يكن طريق البابا تواضروس مفروشاً بالورود، فقد واجه العديد من التحديات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، لكنه ظل ثابتاً على مبدأ المحبة، مؤمناً بأن الرسالة الحقيقية لأي رجل دين هي العمل على جمع القلوب لا تفريقها. لقد واجه بشجاعة محاولات عديدة لبث الفتنة، وكان دائماً يدعو إلى الحوار والتفاهم، مؤكداً أن مصر بتاريخها الطويل قادرة على تجاوز كل الصعاب بفضل تماسك أبنائها.
رؤية مستقبلية للوحدة الوطنية
لا يتوقف دور البابا تواضروس عند الحاضر فقط، بل يمتد إلى المستقبل، حيث يعمل على بناء جيل جديد من الشباب المصري الواعي بقيمة الوحدة الوطنية. فهو يؤمن بأن المستقبل لا يبنى إلا على أساس من التفاهم والتعايش، ولذلك يسعى دائماً إلى غرس قيم المحبة والتسامح في نفوس الأجيال الجديدة، ليضمن استمرار مصر كدولة قوية متماسكة.
الخاتمة
البابا تواضروس الثاني ليس مجرد قائد روحي للكنيسة القبطية، بل هو أحد رموز الوطنية المصرية، رجل يعمل بلا كلل من أجل تعزيز المحبة والسلام، وتوحيد الصفوف خلف قيادة واعية تدرك قيمة مصر ومكانتها. لقد أحبّه المصريون جميعاً، لأنه لم يكن صوتاً لطائفة بعينها، بل كان صوتاً للوطن بأسره، وصوتاً للعقل والحكمة في زمن التحديات. وكما قال عنه الرئيس السيسي:
“أوصيكم بقداسة البابا تواضروس، فأنا أحب هذا الرجل”… هكذا يظل البابا تواضروس رمزاً للوحدة الوطنية، ورجلاً يقرب بين قلوب المصريين، ليبقى في الذاكرة الوطنية نموذجاً للقائد الذي بنى جسور المحبة والتسامح في وطن يستحق السلام الدائم.