المطران آرماش نالبنديان، مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية دمشق وتوابعها، انتقد بشدة التعديلات الجديدة على المناهج الدراسية التي أصدرتها وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة السورية، مؤكدًا أن هذه التعديلات تهدد الهوية الوطنية السورية وتعكس توجهًا أحاديًا لا يراعي طبيعة المجتمع السوري المتنوع. وأعرب المطران عن استغرابه من توقيت هذه الخطوة مع بداية العام الجديد، مشيرًا إلى أن مثل هذه القرارات المصيرية تحتاج إلى شرعية دستورية وإلى توافق مجتمعي واسع، لا أن تُفرض من قبل حكومة مؤقتة محدودة الصلاحيات.
علّق المطران آرماش نالبنديان، مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية دمشق وتوابعها، معربًا عن قلقه البالغ إزاء تلك التعديلات، مشيرًا إلى أن التوقيت الذي تم اختياره لإعلانها كان غير مناسب على الإطلاق.
انتقاد التوقيت: من الاحتفال إلى المفاجأة
أعرب المطران آرماش عن استغرابه من اختيار اليوم الأول من العام الجديد للإعلان عن هذه التعديلات، قائلًا:
“بدلًا من أن تكون المبادرة الأولى في العام الجديد هي تهنئة الطلاب والمعلمين والمعلمات بحلول عام جديد، جاء إعلان التعديلات ليشكل صدمة لنا جميعًا. كنا نتمنى أن تكون البداية رسالة أمل وتفاؤل، لا قرارات مصيرية مباغتة.”
وأضاف المطران متسائلًا عن الآلية التي اتبعتها الوزارة في نشر القرار:
“هل يُعقل أن يُصدر بيان أو قرار بهذه الأهمية ويُعمم عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط؟ أليس من المفترض أن يتم هذا النوع من القرارات بعد نقاش مجتمعي واسع؟”
الشرعية الدستورية واللجان المكلفة
وأكد المطران أن حكومة تسيير الأعمال هي حكومة مؤقتة ذات صلاحيات محدودة، وبالتالي لا يحق لها اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بمستقبل الأجيال القادمة. وأوضح:
“إن أي قرار استراتيجي بحجم تغيير المناهج التعليمية يجب أن يُتخذ ضمن إطار دستوري واضح، ومن خلال حكومة منتخبة تمثل إرادة الشعب. إن ما حدث هو تجاوز خطير لصلاحيات حكومة مؤقتة تم تكليفها فقط بتسيير الأمور اليومية وليس البت في قضايا مصيرية.”
كما أثار المطران تساؤلات حول كفاءة اللجان التي أشرفت على هذه التعديلات، قائلًا:
“من هم أعضاء اللجان التي كُلفت بإجراء هذه التعديلات؟ وما هي الجهات التي تمت استشارتها في هذا الأمر؟ والأهم، ما هي الأسس العلمية والتربوية التي استندوا إليها؟”
مخاوف حول مضمون التعديلات
تحدث المطران آرماش باستفاضة عن محتوى التعديلات، موضحًا أنها تعكس توجهًا أحاديًا لا يتناسب مع طبيعة المجتمع السوري المعروف بتنوعه الديني والثقافي. وأشار إلى عدد من الأمثلة التي وصفها بأنها تمثل انتهاكًا صارخًا للتاريخ والثقافة الوطنية:
1. حذف عبارة “حماة الديار عليكم سلام”
أوضح المطران أن حذف هذه العبارة من المناهج هو محاولة لتقليص مفهوم الدفاع عن الوطن وحصره في فئة معينة، قائلًا:
“إن عبارة حماة الديار لا تقتصر على الجندي فقط، بل تشمل كل من يسهم في بناء الوطن والدفاع عنه، سواء كان طبيبًا، أو معلمًا، أو عامل نظافة، أو أي مواطن شريف يعمل بإخلاص لوطنه.”
2. إلغاء ذكر شهداء السادس من أيار
انتقد المطران حذف ذكرى إعدام قادة الحركة الوطنية السورية عام 1916 على يد السلطات العثمانية، معتبرًا ذلك محاولة لطمس حقائق تاريخية هامة، وقال:
“إلغاء هذه الذكرى هو طمس لتاريخ نضال شعبنا ضد الاحتلال العثماني، وتشويه لذاكرة وطنية تخلّد تضحيات أبطال قدموا أرواحهم من أجل الحرية.”
3. استبدال عبارات دينية بمفاهيم طائفية
أشار المطران إلى أن استبدال عبارات مثل “المغضوب عليهم” بعبارة “اليهود والنصارى” في المناهج الدراسية هو دعوة إلى الكراهية والتفرقة الطائفية، قائلًا:
“إننا في القرن الحادي والعشرين نسعى إلى تعزيز قيم التعايش والسلام بين الشعوب، فكيف يتم زرع مثل هذه الأفكار في عقول أطفالنا؟”
4. حذف علم التطور من المناهج
تناول المطران قضية حذف موضوع علم التطور من مناهج العلوم، واعتبر ذلك إلغاءً للبحث العلمي وتعطيلًا للعقل، موضحًا:
“علم التطور هو جزء من العلوم الحديثة التي تسهم في فهم الإنسان لنفسه وللعالم من حوله. إن رفض تدريسه هو محاولة لطمس الحقائق العلمية وإبقاء الأجيال القادمة في دائرة الجهل والتخلف.”
5. حصر مفهوم الشهادة في الدين الإسلامي
شدد المطران على أن حصر مفهوم الشهادة بمن يضحون من أجل الدين الإسلامي فقط هو إقصاء لبقية مكونات المجتمع السوري، قائلًا:
“كل من يضحي بروحه من أجل كرامة وحرية وطنه هو شهيد، بغض النظر عن دينه أو معتقده. هذا هو المعنى الحقيقي للشهادة الذي يجب أن يتربى عليه أبناؤنا.”
6. إلغاء ذكر الملكة زنوبيا
استنكر المطران محاولات حذف ذكر الملكة زنوبيا من المناهج، قائلًا:
“زنوبيا ليست مجرد شخصية تاريخية عابرة، بل هي رمز للفخر والاعتزاز بتاريخنا. إن حذفها من المناهج هو جريمة بحق تراثنا الحضاري.”
استبدال التربية الوطنية بالتربية الدينية
واختتم المطران حديثه بانتقاد استبدال مادة التربية الوطنية بمادة التربية الدينية، معتبرًا ذلك خطوة تعيد المجتمع إلى عصور غابرة، وقال:
“بدلًا من وضع أسس جديدة لتربية وطنية تجمع أبناء الوطن حول هدف واحد، تم إحلال التربية الدينية محلها، في خطوة تعكس فشلًا واضحًا في فهم متطلبات المرحلة القادمة.”
وأضاف في ختام حديثه:
“إن ما نحتاجه اليوم هو تربية وطنية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وتعمل على ترسيخ قيم المواطنة والتعددية واحترام الآخر. إن قرار تغيير المناهج بهذه الطريقة هو خطأ جسيم يجب التراجع عنه فورًا، حفاظًا على مستقبل سوريا وأجيالها القادمة.”
خاتمة: التعليم بين التوجيه والتطرف
إن تعديل المناهج التعليمية هو خطوة حساسة ومصيرية يجب التعامل معها بحذر شديد، نظرًا لتأثيرها العميق على تشكيل وعي الأجيال القادمة. وفي ظل الانتقادات الواسعة التي أثارتها هذه التعديلات، يبقى السؤال المطروح: هل كان الهدف من هذه التعديلات هو إصلاح التعليم فعلًا، أم أنها محاولة لفرض أيديولوجيا معينة على المجتمع السوري المتنوع؟
الجواب عن هذا السؤال سيتضح مع الأيام، لكن المؤكد أن الشعب السوري لن يقبل بأي محاولة لتغيير هويته الثقافية والتاريخية التي حافظ عليها على مدار العقود.