بقلم صموئيل العشاي:
في عالم يواجه فيه المجتمع تحديات فكرية ومعلوماتية غير مسبوقة، يصبح دعم الصحفيين مسؤولية وطنية تقع على عاتق الدولة، باعتبارهم أحد أهم ركائز الحفاظ على الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي. لا يمكن للدولة أن تترك الصحافة لمصيرها دون توفير المقومات التي تضمن أداء رسالتها على أكمل وجه، وأهم هذه المقومات هو تأمين رواتب عادلة تليق بحجم المسؤولية التي يتحملها الصحفيون في حماية الوعي الجمعي.
الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي أحد أذرع الدولة في تشكيل الرأي العام وحماية المجتمع من التيارات الفكرية الهدامة. من هنا، فإن الدولة تتحمل مسؤولية مباشرة في دعم هذا القطاع الحيوي، تمامًا كما تدعم كافة مؤسساتها الأخري. فالمعارك اليوم لم تعد تقتصر على المواجهات العسكرية، بل أصبحت معركة وعي تستهدف عقول الجماهير، ولا يمكن الانتصار فيها إلا من خلال إعلام قوي وصحفيين مستقلين يمتلكون الأدوات اللازمة للقيام بدورهم دون ضغوط اقتصادية تعرقل أداءهم أو تدفعهم إلى البحث عن مصادر بديلة قد تؤثر على نزاهتهم.
تحديد حد أدنى لرواتب الصحفيين بمقدار 20 ألف جنيه، مع إبقاء الحد الأقصى مفتوحًا، هو استثمار حقيقي في مستقبل الوطن، وليس مجرد عبء مالي. الصحفيون هم الحراس الذين يقفون في الخطوط الأمامية لمواجهة التزييف والتضليل، وتأمين رواتب مناسبة لهم يضمن استقرارهم المهني ويعزز من قدرتهم على أداء رسالتهم بمهنية واستقلالية. وإذا كانت الدولة تخصص مبالغ ضخمة لدعم قطاعات أخرى تمس الأمن القومي، فإن دعم الصحفيين لا يقل أهمية، لأن الإعلام الوطني المستقل هو أحد أهم أسلحة الدولة في هذه المرحلة الحرجة.
إن تحمل الدولة لهذه المبالغ هو واجب وطني، وليس ترفًا أو خيارًا. فالصحفي الذي يمتلك الأمان الاقتصادي يكون أكثر قدرة على الالتزام بالمبادئ المهنية وأقل عرضة للضغوط التي قد تؤثر على نزاهته أو توجهاته. كما أن تأمين رواتب مناسبة يخلق بيئة تنافسية إيجابية، تدفع الصحفيين إلى بذل المزيد من الجهد والابتكار في عملهم، مما ينعكس إيجابيًا على مستوى الوعي العام ويعزز مناعة المجتمع أمام محاولات التشويه الفكري.
الدول التي تدرك أهمية الإعلام في تحقيق الاستقرار والتقدم لا تتردد في تقديم الدعم اللازم للصحفيين، لأنها تعلم أن الإعلام الواعي والمستقل هو أحد أهم أدوات القوة الناعمة التي تعزز مكانتها داخليًا وخارجيًا. من هذا المنطلق، فإن تخصيص الدولة لهذه المبالغ ليس عبئًا، بل هو استثمار في عقل الأمة ومستقبلها. الصحفيون ليسوا مجرد ناقلين للأخبار، بل هم جنود معركة الوعي الذين يحتاجون إلى دعم الدولة ليواصلوا أداء رسالتهم دون انقطاع أو تأثر بالضغوط الاقتصادية التي قد تهدد هذا الدور الحيوي.
إن بناء مجتمع مستنير لا يتحقق إلا من خلال إعلام قوي وصحفيين واعين يمتلكون الإمكانيات التي تتيح لهم أداء رسالتهم بمهنية واستقلالية. والدولة التي تريد الحفاظ على استقرارها وتحصين عقول أبنائها مطالبة بأن تتحمل هذه المسؤولية، لأن الصحفيين ليسوا مجرد أفراد يعملون في مهنة، بل هم خط الدفاع الأول أمام كل محاولات الهدم الفكري التي تستهدف الوطن. ومن هنا، فإن تخصيص هذه المبالغ للصحفيين يجب أن يُنظر إليه كخطوة ضرورية لتعزيز الأمن القومي الفكري ودعم استقرار المجتمع في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.