في حوار مثير مع الإعلامي عماد أديب، كشف الخبير الإسرائيلي في الشؤون الاستراتيجية، إيتان كوهين، عن تفاصيل معقدة حول العلاقة بين تركيا وإسرائيل. وعلى الرغم من التوترات التي ميّزت علاقاتهما في الماضي، إلا أن كوهين أشار إلى أن الدولتين تتحركان اليوم كـ”جارتين جديدتين” في الشرق الأوسط، في ظل تغيرات إقليمية ودولية عميقة أعادت تشكيل أسس السياسة الخارجية لكل منهما.
أحد أبرز النقاط التي أثارها كوهين كانت الدور التركي في سوريا. فقد وصف أحمد الشرع، المعروف إعلاميًا بالجولاني، بـ”الوالي العثماني الجديد”، معتبرًا أن تركيا تستخدمه كأداة لتعزيز نفوذها في المنطقة، لا سيما في شمال سوريا. ووفقًا لتصريحات كوهين، فإن الدعم التركي لفصائل مثل “هيئة تحرير الشام” يعكس طموحات أنقرة للعودة إلى ما يمكن وصفه باستعادة النفوذ العثماني التاريخي في الشرق الأوسط، لكن هذه المرة عبر وسائل حديثة تدمج بين النفوذ العسكري والاقتصادي.
وأكد كوهين أن تركيا تسعى لإعادة تشكيل الوضع الإقليمي بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية. وهي ترى في الفوضى السياسية والعسكرية في سوريا فرصة ذهبية لتعزيز هيمنتها، خاصة في ظل تراجع دور روسيا بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا، وغياب أي قوة دولية قادرة على فرض استقرار طويل الأمد في سوريا.
تعقيدات العلاقات التركية-الإسرائيلية
رغم الاختلافات الأيديولوجية والسياسية بين تركيا وإسرائيل، شدد كوهين على أن العلاقات بين البلدين لا تزال تحتفظ بأبعاد استراتيجية عميقة. فقد أصبحت تركيا قوة لا يمكن تجاهلها في المنطقة، خاصة مع طموحاتها الإقليمية التي تطال سوريا، وهو ما دفع إسرائيل إلى إعادة تقييم علاقاتها مع أنقرة.
وأشار كوهين إلى أن تركيا بحاجة إلى الحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة مع إسرائيل، نظرًا لأهمية التنسيق الأمني والاستخباراتي في ظل التحديات المشتركة التي تواجه الدولتين في سوريا. ورغم استمرار دعم تركيا لحماس، وهو ما يعد أحد أبرز نقاط الخلاف بين الجانبين، إلا أن هناك توافقًا ضمنيًا على ضرورة التنسيق لمواجهة التهديدات الأمنية، مثل تصاعد النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة المدعومة منها.
وأوضح كوهين أن هذا التفاهم لا يعني غياب الصراعات بين الجانبين. فبينما تسعى تركيا لتوسيع نفوذها عبر أدوات إقليمية مثل الجولاني، تراقب إسرائيل بحذر هذه التحركات، وتسعى لضمان ألا تؤدي الطموحات التركية إلى تهديد مصالحها الأمنية أو السياسية في المنطقة.
تغير موازين القوى الإقليمية
التغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط لعبت دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل العلاقة بين تركيا وإسرائيل. فقد أشار كوهين إلى أن تراجع الدور الروسي في سوريا نتيجة الحرب في أوكرانيا، إلى جانب التوترات المستمرة بين إيران ودول المنطقة، أفسح المجال لتركيا لتصبح قوة مهيمنة. وفي الوقت نفسه، وجدت إسرائيل نفسها في موقف يفرض عليها التعامل مع تركيا كحليف محتمل، على الرغم من الخلافات الجوهرية.
وبحسب كوهين، فإن تركيا تستغل هذا الفراغ الإقليمي لتعزيز طموحاتها طويلة الأمد، سواء عبر توسيع نفوذها العسكري في سوريا أو دعمها لفصائل مسلحة تسهم في تحقيق أهدافها. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن الوضع الحالي يمثل تحديًا وفرصة في الوقت ذاته. فمن جهة، يمكن أن توفر تركيا شريكًا لمواجهة التهديدات الأمنية في سوريا. ومن جهة أخرى، تمثل طموحات أنقرة مصدر قلق مستمر لإسرائيل، خاصة في ظل دعمها لحماس وسعيها لتوسيع نفوذها على حساب قوى إقليمية أخرى.
هل يتحول الجولاني إلى أداة دائمة للنفوذ التركي؟
أحد التساؤلات التي طرحها كوهين يتعلق بمستقبل الدور الذي تلعبه تركيا في سوريا، وما إذا كان الجولاني سيظل أداة دائمة في يد أنقرة لتحقيق طموحاتها الإقليمية. يرى كوهين أن تركيا تسعى لاستخدام الجولاني كواجهة لتحقيق أهدافها دون أن تضطر إلى مواجهة مباشرة مع القوى الدولية أو الإقليمية الأخرى. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن لتركيا الحفاظ على هذه الاستراتيجية دون أن تواجه رد فعل قويًا من إسرائيل أو القوى الدولية؟
نحو معادلة إقليمية جديدة؟
في ظل المشهد الإقليمي المعقد، يبدو أن العلاقات التركية-الإسرائيلية تسير على خط رفيع بين التفاهم والصراع. وبينما تسعى تركيا لتعزيز نفوذها في سوريا وتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد، تحاول إسرائيل إدارة ملفاتها الأمنية بحذر، معتمدة على مزيج من التعاون والصراع مع أنقرة.
يبقى المستقبل مفتوحًا على احتمالات متعددة. هل ستتمكن تركيا من تحقيق أهدافها دون أن تواجه تصعيدًا مع إسرائيل؟ وهل ستجد إسرائيل في تركيا شريكًا يمكن الاعتماد عليه، أم أن صراعات المصالح ستظل تحكم العلاقة بينهما؟
الإجابة على هذه التساؤلات ستتوقف على مدى قدرة الدولتين على تجاوز خلافاتهما والاستفادة من التغيرات الإقليمية لتحقيق مصالح مشتركة، في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تحولات جذرية قد تعيد تشكيل خريطته السياسية والاقتصادية.