بقلم صموئيل العشاي:
في عالم السياسة المعقد، تصبح بعض التصرفات والأفعال بمثابة السلاح الأخطر ضد الأمة، حتى وإن لم تكن نواياها واضحة أو موجهة بشكل مباشر. ويُقال إن “الغباء السياسي” في كثير من الأحيان قد يؤدي إلى نتائج أكثر تدميراً من العداء الصريح. تنطبق هذه القاعدة على عدد من الأطراف والجماعات التي ترفع شعارات مواجهة إسرائيل أو تحرير الأرض الفلسطينية، ولكن، في الواقع، تنعكس أفعالها لصالح مشروع “إسرائيل الكبرى”، الذي يهدف إلى السيطرة من النيل إلى الفرات.
تنظيمات مثل حماس، وحزب الله، والإخوان المسلمين، والتيارات السلفية، ودول مثل إيران، إضافة إلى قنوات إعلامية مثل “الجزيرة” و”الشرق” و”مكملين”، تمثل جميعها أدوات مباشرة أو غير مباشرة تُستخدم لتحقيق المصالح الإسرائيلية، سواء بوعي منها أو بدونه. وبغض النظر عن الشعارات الرنانة التي تتبناها هذه الأطراف، فإن النتائج على الأرض تشير إلى خدمة المشروع الصهيوني بأشكال متعددة، سواء من خلال إضعاف الدول العربية أو تمزيق النسيج الاجتماعي لشعوب المنطقة.
كيف تسهم هذه الأطراف في خدمة إسرائيل؟
1. حماس وحزب الله: شعارات المقاومة وتكريس الانقسام
في الظاهر، تقدم حماس وحزب الله نفسيهما كحركات مقاومة تسعى لتحرير الأراضي المحتلة، لكن ما يحدث على أرض الواقع يشير إلى نتائج مدمرة تصب في مصلحة إسرائيل:
• تعميق الانقسام الفلسطيني: حولت حماس الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى صراع داخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. فبدلاً من توحيد الصفوف ضد الاحتلال، أصبحت السلطة الفلسطينية وحماس في حالة صراع دائم، مما أضعف الموقف الفلسطيني أمام إسرائيل.
• استخدام الطائفية كأداة: حزب الله، الذي يدعي مواجهة إسرائيل، وجه سلاحه إلى الداخل اللبناني والسوري، مما أدى إلى انهيار الدولتين وإضعاف قدرتهما على التصدي للمشروع الإسرائيلي.
على مر العقود، كان الشعار الطاغي هو “المقاومة”، لكن الأفعال على الأرض تكشف عن أولويات بعيدة كل البعد عن مواجهة إسرائيل، حيث أدت هذه الجماعات إلى تقويض الاستقرار الإقليمي وتحقيق أهداف إسرائيل بشكل غير مباشر.
2. إيران: السياسات الطائفية في خدمة إسرائيل
إيران، التي تدّعي مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أضحت أحد المحاور الرئيسية في تفكيك الدول العربية وتعزيز الفوضى الإقليمية.
• إثارة الفتن الطائفية: السياسات الإيرانية القائمة على نشر الفكر الطائفي الشيعي في الدول السنية أدت إلى انقسام المجتمعات العربية، مما جعلها أكثر هشاشة أمام الأطماع الإسرائيلية.
• تفكيك الجيوش العربية القوية: عبر تدخلها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ساهمت إيران في إضعاف جيوش هذه الدول، التي كانت في الماضي تمثل تهديداً لإسرائيل، لتصبح المنطقة بأكملها مسرحاً للفوضى التي تخدم تل أبيب.
التحركات الإيرانية أثارت تساؤلات عدة حول ما إذا كانت هذه السياسات مدفوعة بالغطرسة الطائفية فقط، أم أن هناك مصالح مشتركة غير معلنة مع إسرائيل في تقويض استقرار المنطقة لصالح الطرفين.
3. الإخوان المسلمين والتيارات السلفية: تدمير الوحدة الوطنية
جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية قدمت عبر التاريخ نموذجاً واضحاً للأفكار المتطرفة التي تؤدي إلى تمزيق المجتمعات وإضعاف الدول الوطنية.
• نشر الكراهية والتطرف: الأفكار التي تنشرها هذه الجماعات تسهم في بث الكراهية بين فئات المجتمع، مما يؤدي إلى إضعاف اللحمة الوطنية وزرع الفتن الداخلية.
• تفكيك الدولة الوطنية: الإخوان المسلمون يسعون دائماً إلى إقامة “دولة الخلافة”، وهو ما يعني رفض الدولة الوطنية، مما يجعل الدول العربية هشة وعرضة للتدخلات الخارجية.
بهذا النهج، تتحول الدول العربية من كيانات قوية ذات سيادة إلى كيانات متشرذمة، وهو ما يتماشى تماماً مع الأجندة الإسرائيلية الساعية إلى إضعاف أي تهديد محتمل في المنطقة.
4. الإعلام الموجه: أداة التحريض وتشويه الحقائق
الإعلام يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الوعي الجماهيري، ولكن بعض القنوات، مثل “الجزيرة” و”الشرق” و”مكملين”، أصبحت أدوات لزرع الفوضى وتحقيق أجندات تخدم المصالح الإسرائيلية.
• بث الفرقة والتحريض: من خلال تقديم منصة للمتطرفين والتحريض على العنف، تساهم هذه القنوات في تقسيم المجتمعات العربية.
• تشويه الحقائق: تقدم روايات مشوهة تخدم أجندات بعيدة عن مصلحة الأمة العربية، مما يؤدي إلى إضعاف القدرة على مواجهة العدو الحقيقي.
النتائج الكارثية: كيف تخدم أفعالهم إسرائيل؟
1. تفكيك الدول العربية
إسرائيل تعتمد على استراتيجية واضحة تقوم على إضعاف الدول المحيطة بها لضمان تفوقها العسكري والسياسي. الفوضى التي أحدثتها هذه الجماعات والتنظيمات أدت إلى تدمير بنية الدول العربية، مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان، مما جعل المنطقة بأكملها عاجزة عن مواجهة التحديات الإسرائيلية.
2. تقويض القضية الفلسطينية
أصبحت القضية الفلسطينية، التي كانت محور نضال عربي جامع، قضية ثانوية في ظل الانقسامات الداخلية والصراعات الطائفية. استفادت إسرائيل من هذا الوضع لتوسيع مشاريعها الاستيطانية وفرض سياساتها في القدس والضفة الغربية دون أي معارضة جدية.
3. نشر الفوضى الإقليمية
الفوضى التي تعم المنطقة وفرت لإسرائيل بيئة مثالية لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي. بينما تنشغل الدول العربية في صراعاتها الداخلية، تتمدد إسرائيل وتحقق مكاسب غير مسبوقة.
غباء أم تآمر؟
يبقى السؤال الذي يطرحه الكثيرون: هل هذه التنظيمات تعمل لصالح إسرائيل عن قصد، أم أن أفعالها نتيجة للغباء السياسي وعدم قراءة الواقع؟ الإجابة قد تختلف، ولكن النتيجة واحدة: أفعال هذه الجماعات والتنظيمات تصب بشكل واضح في خدمة مشروع “إسرائيل الكبرى”.
الحل: وحدة الصف العربي لمواجهة المشروع الإسرائيلي
لمواجهة هذا الخطر، يجب التركيز على الوحدة الوطنية وتعزيز الدولة القومية بعيداً عن الشعارات الزائفة والخطابات المتطرفة. المنطقة بحاجة إلى رؤية جديدة تُعيد للقضية الفلسطينية مكانتها الحقيقية وتضع حداً للمشروع الصهيوني الذي يستغل ضعف الدول العربية لتحقيق طموحاته التوسعية.
إن مواجهة “إسرائيل الكبرى” لا تبدأ بالشعارات، بل بالعمل الجاد على بناء دول قوية ومستقرة، قادرة على الدفاع عن شعوبها وهويتها ومستقبلها.