في سوريا احترقت شجرة عيد الميلاد وسط أجواء من القهر والفوضى كأن هذا الحريق يلخص مأساة منطقة بأكملها. ليست شجرة الميلاد مجرد ضحية عابرة في صراع طويل بل هي رمز لتشابك المصالح الدولية والإقليمية التي استخدمت الإرهاب كأداة لتحقيق أجندات خفية. هذا الحريق يعكس عقودا من التآمر السياسي والإيديولوجي الذي أعاد تشكيل الدول وفق مصالح قوى كبرى وإقليمية.
الأنظمة العربية الإرهاب كأداة استبداد
منذ عقود أدركت الأنظمة العربية أن بقاءها في الحكم يعتمد على معادلة واضحة: إما نحن بفسادنا واستبدادنا أو الفوضى التي تقودها جماعات متطرفة كداعش والقاعدة. عبر هذه المعادلة نجحت الأنظمة في تقديم نفسها كخيار أقل سوءا للغرب.
لكن الإرهاب لم يكن مجرد وسيلة لتخويف الخارج بل كان أيضا أداة داخلية لتفكيك أي محاولات للإصلاح أو التغيير. كلما ارتفعت أصوات الشعوب مطالبة بالديمقراطية والعدالة صعدت الأنظمة خطاب الخطر الإرهابي لتبرير القمع وإسكات الأصوات المعارضة.
الغرب من الخضوع للمعادلة إلى توظيفها
لم يظل الغرب أسيرا لهذه اللعبة إلى الأبد. مع مرور الوقت أعاد توظيف الإرهاب بما يخدم مصالحه الإستراتيجية. الولايات المتحدة على سبيل المثال استخدمت الإرهاب كأداة لتحقيق أهداف جيوسياسية.
في أفغانستان وبعد إنفاق ترليونات الدولارات انسحبت أمريكا تاركة البلاد لطالبان. هذا الانسحاب كان جزءا من إستراتيجية تستهدف:
1. إرباك الخصوم التقليديين كروسيا والصين وإيران بوجود جماعات متطرفة على حدودهم
2. تحويل الموارد الإقليمية نحو صراعات داخلية بما يضمن استمرار الهيمنة الغربية
3. إعادة رسم التحالفات الدولية عبر خلق بيئة مضطربة تدفع الدول الإقليمية للاعتماد على الغرب
إسرائيل التوسع تحت غطاء محاربة الإرهاب
في خضم هذه الفوضى رأت إسرائيل فرصة ذهبية لتحقيق حلمها بالتوسع من النيل إلى الفرات. مستغلة خطاب محاربة الإرهاب عملت على تفكيك الدول المحيطة بها
• في غزة ضخم الإعلام الإسرائيلي عمليات حماس مبررا حروبا دمرت البنية التحتية الفلسطينية وأضعفت المقاومة
• في لبنان استخدمت إسرائيل المواجهة مع حزب الله لتعزيز نفوذها في الجنوب اللبناني واستنزاف المقاومة
• في سوريا ساهمت إسرائيل في تأجيج الصراع الداخلي مستفيدة من وجود داعش لتبرير تدخلاتها
سوريا ساحة الصراع المفتوح
كانت سوريا مثالا صارخا على تلاقي المصالح الدولية والإقليمية في استخدام الإرهاب كأداة لتحقيق أهداف متعددة
• استغل الغرب وإسرائيل وجود داعش لإضعاف النظام السوري واستنزاف موارده
• تلاقت المصالح الخليجية والتركية مع تلك الإستراتيجيات. دول الخليج مولت الجماعات المسلحة لمواجهة النفوذ الإيراني بينما فتحت تركيا حدودها ووفرت الدعم اللوجستي لتلك الجماعات طامعة في تحقيق مكاسب إقليمية
حرق شجرة الميلاد رسالة الإرهاب
حرق شجرة عيد الميلاد ليس مجرد اعتداء رمزي بل رسالة واضحة لتخويف الغرب على المسيحيين في المنطقة وتهيئة الأجواء لتهجيرهم. الإرهاب هنا لا يستهدف رموزا دينية فقط بل يسعى لإعادة تشكيل التركيبة السكانية بما يخدم مصالح الأطراف المتورطة
الرسالة الأخيرة نار الإرهاب تحرق الجميع
إلى الأنظمة العربية التي صنعت الإرهاب ثم وقعت ضحية له أقول: أنتم تزرعون الفوضى وتحصدون الانهيار. إسرائيل تحقق أهدافها بينما تغرق المنطقة في حروب عبثية. الإرهاب الذي صنعتموه لتخويف الغرب يهدد وجودكم الآن
لا يمكن تحقيق الاستقرار بالاستبداد أو الإرهاب. الحل يبدأ بإرادة حقيقية للإصلاح ووضع مصلحة الشعوب فوق الحسابات السياسية الضيقة. المنطقة بحاجة إلى عدالة وتنمية حقيقية قبل أن تتحول بالكامل إلى مسرح دائم للفوضى