رحل يوسف ندا، أحد أبرز قادة جماعة الإخوان المسلمين، وصاحب الدور المحوري في بناء وإدارة منظومتها المالية التي وصفها البعض بـ”الإمبراطورية الخفية”. توفي ندا عن عمر يناهز 94 عامًا، بعدما ترك خلفه إرثًا مليئًا بالتساؤلات والجدل حول طبيعة دوره في تمويل ودعم أنشطة الإخوان المسلمين على المستوى العالمي.
وُلد يوسف مصطفى ندا في مدينة الإسكندرية عام 1929، في بيئة متواضعة أثرت في تشكيل شخصيته وانتماءاته الفكرية. نشأ في كنف عائلة متدينة، حيث تشبع من الصغر بمبادئ الفكر الإسلامي المحافظ، مما دفعه إلى الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين خلال شبابه المبكر.
مع تصاعد الصدام بين الإخوان المسلمين والنظام المصري في خمسينيات القرن الماضي، وتحديدًا بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر وما تبعها من قمع واسع للجماعة، غادر ندا مصر متجهًا إلى أوروبا. بدأ رحلته في الخارج بتأسيس مجموعة من الأعمال التجارية التي سرعان ما توسعت لتشمل مجالات مختلفة، مثل الاستثمار العقاري والبنوك.
كان يوسف ندا أحد العقول المدبرة التي حولت جماعة الإخوان المسلمين من مجرد حركة دينية وسياسية محلية إلى شبكة مالية دولية عابرة للحدود. استطاع بذكائه وعلاقاته الواسعة أن يؤسس نظامًا ماليًا معقدًا يدعم أنشطة الجماعة في مناطق مختلفة من العالم.
يُقال إن ندا كان بمثابة “الخزانة المتنقلة” للإخوان، حيث لعب دورًا رئيسيًا في تحويل الأموال بين الدول وتوجيهها لدعم أجندات الجماعة، سواء من خلال تمويل الأنشطة الدعوية أو دعم الحركات السياسية التابعة لها. وقد واجهت هذه الأنشطة اتهامات متكررة بأنها تهدف إلى زعزعة استقرار بعض الدول، خاصة تلك التي تصنف الجماعة على أنها إرهابية.
في السبعينيات، استقر ندا في سويسرا، حيث أسس “بنك التقوى”، الذي اعتبره المراقبون واجهة رئيسية لاستثمارات الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من محاولاته نفي أي صلة له بتمويل الإرهاب أو دعم الجماعات المتشددة، إلا أن تقارير عديدة، أبرزها تلك الصادرة عن الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أكدت تورطه في توجيه الأموال بطرق غير شرعية.
يوسف ندا لم يكن مجرد رجل أعمال، بل كان يتمتع بشبكة علاقات سياسية واسعة امتدت إلى مختلف الدول. استغل هذه العلاقات لتعزيز نفوذ الإخوان المسلمين على الساحة الدولية، وخاصة في أوروبا وأفريقيا. وعُرف بعلاقاته الوثيقة مع قادة الإخوان في الدول العربية والغربية، حيث كان الوسيط الرئيسي بين قيادات الجماعة في الداخل والخارج.
كما اتهم ندا بتقديم الدعم المالي واللوجستي لحركات سياسية محسوبة على الإخوان المسلمين، مثل حماس في فلسطين، وعدد من الأحزاب السياسية في الدول العربية التي ارتبطت بفكر الجماعة.
بوفاة يوسف ندا، تُغلق صفحة مثيرة للجدل في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين. فهو الرجل الذي وُصف بأنه “الظل المالي للجماعة” وصاحب الدور الأساسي في بقائها على الساحة الدولية رغم الضربات التي تلقتها عبر العقود.
تثير وفاته تساؤلات حول مصير الإمبراطورية المالية التي ساعد على بنائها. هل ستتأثر الجماعة بفقدانه، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية عليها؟ أم أن هناك من سيواصل دوره في إدارة هذا الكيان المالي الذي لطالما أثار جدلاً واسعًا؟
رحيل ندا قوبل بمزيج من ردود الفعل. البعض رأى في وفاته نهاية لرجل مثير للجدل ارتبط اسمه بأنشطة مشبوهة وصراعات سياسية معقدة. في حين رأى آخرون أنه كان شخصية استراتيجية استطاعت تحويل الجماعة إلى كيان عالمي له حضور اقتصادي وسياسي.
بوفاة يوسف ندا، يفقد الإخوان المسلمون واحدًا من أبرز عقولهم الاستراتيجية، ورمزًا لأحد أكثر جوانبهم إثارة للجدل. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن الجماعة من الحفاظ على نفوذها المالي دون الرجل الذي كان بمثابة “صندوق أسرارها”؟ أم أن وفاته ستكشف النقاب عن تفاصيل جديدة حول أنشطتها في السنوات القادمة؟
في النهاية، يوسف ندا لم يكن مجرد رجل أعمال أو شخصية سياسية، بل كان أحد الأعمدة التي قامت عليها جماعة الإخوان في العصر الحديث، ليبقى اسمه مرتبطًا بواحدة من أكثر الحركات تأثيرًا وإثارة للجدل في التاريخ السياسي المعاصر.