قال مدحت الشريف، استشاري الاقتصاد السياسي وسياسات الأمن القومي ووكيل اللجنة الاقتصادية في البرلمان السابق، إن الدولة المصرية تستمر في ارتكاب أخطاء الماضي، متهربة من المواجهة، حيث أصبحت الحكومة، حسب وصفه، خاضعة بشكل كامل لإملاءات صندوق النقد الدولي. وأوضح أن ما يجري حاليًا هو تنفيذ دقيق لتعليمات الصندوق، محذرًا من خطورة هذا النهج على مستقبل الدولة المصرية واستقلالها الاقتصادي والسياسي.
وأشار الشريف إلى أن مفهوم الاحتلال لم يعد يقتصر على الجانب العسكري، بل تطور ليأخذ أشكالًا اقتصادية تعرف بـ”حرب الاقتصاد”. وأوضح أن هذه الحرب تُدار من خلال استراتيجيات محددة تهدف إلى إضعاف الدول المستهدفة اقتصاديًا، إما بشكل مباشر عبر دول معينة، أو بشكل غير مباشر عن طريق مؤسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي. ولفت إلى أن هذه المؤسسات تستخدم أدوات مدروسة مثل إغراق الدول بالديون، مما يحولها إلى كيانات تابعة اقتصاديًا، ويجعل إرادتها السياسية خاضعة لتأثيرات خارجية.
وأوضح أن التعامل مع صندوق النقد الدولي يفرض على مصر ضرورة تشكيل نخبة وطنية متميزة تشارك في عملية التفاوض، مع الحفاظ على دور المسؤولين الحاليين. وأكد أن هذه المشاركة يجب أن تكون تحت صيغة مراقبة شفافة لتجنب تضارب المصالح، مشيرًا إلى أن معظم المفاوضين الحاليين هم موظفون سابقون في الصندوق أو البنك الدولي، أو مرتبطون بآمال مستقبلية في شغل مناصب داخل هذه المؤسسات بعد انتهاء مهامهم الحكومية.
أما فيما يتعلق بالديون الخارجية، فأشار الشريف إلى إعلان البنك المركزي انخفاض الدين الخارجي إلى 158 مليار دولار. ومع ذلك، لفت الانتباه إلى المخاطر الناجمة عن الاعتماد على ما يعرف بـ”الأموال الساخنة”، حيث اقترضت مصر أكثر من 45 مليار دولار من خلال السندات وأذون الخزانة. وحذر من العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن انسحاب أو هروب هذه الأموال، كما حدث في عام 2022 عندما خرج 22 مليار دولار من السوق المصري، مشددًا على أن الوضع الحالي لا يحتمل تكرار مثل هذه الأزمات.
وتحدث الشريف عن التعليمات التي فرضها صندوق النقد الدولي، والتي قال إنها تؤثر سلبًا على الاقتصاد المصري. وأشار إلى أن البرنامج الاقتصادي للصندوق يجعل مصر تعتمد على الاستيراد بشكل كبير، مما يحولها إلى سوق مستهلك للبضائع المستوردة من الدول المتقدمة صناعيًا، ويضعف المنتج الوطني. وأوضح أن هذه السياسة تجلت بوضوح في المراجعة الأخيرة للصندوق، حيث رفض استمرار سياسة “رد أعباء الصادرات”، التي انخفضت نسبتها من 7-8% إلى 2-3%. وأكد أن ذلك أثر سلبًا على الصادرات المصرية، خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يتناقض مع تصريحات الحكومة بشأن دعم التصدير.
وأضاف أن البنك المركزي كان قد اتخذ خطوات لتقليل الواردات عبر تحجيم فتح الاعتمادات المستندية لبعض السلع، إلا أن هذه الإجراءات تم التراجع عنها بناءً على تعليمات من الصندوق، حسب توقعاته. وأشار إلى أن هذه التعليمات تتعارض مع مصلحة الاقتصاد الوطني، حيث تعزز من استنزاف العملة الحرة بدلًا من الحفاظ عليها.
وعلى صعيد دعم الصناعة، أشار الشريف إلى إلغاء مبادرات تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة مخفضة بناءً على طلب الصندوق، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض لهذه المشروعات إلى نسب تتراوح بين 28-32%. وأكد أن هذا القرار كان له تأثير مدمر على المشروعات الصغيرة التي تشكل 90% من الاقتصاد المصري، حيث أدى إلى تقليص نشاط العديد منها وتوقف بعضها عن العمل بالكامل.
واختتم الشريف حديثه بالتأكيد على أن اعتماد مصر على برنامج صندوق النقد الدولي يعرضها لأزمات حادة، ويتيح لأذرع خارجية التدخل في قرارها السياسي. وربط الشريف بين هذه التدخلات وبين مشروع الشرق الأوسط الجديد، مستشهدًا بما يحدث في سوريا ولبنان وغزة كأمثلة على تطبيق استراتيجيات اقتصادية وسياسية تهدف إلى تحقيق أهداف جيوسياسية.
وحذر من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى ضغوط على مصر لتنفيذ ما يُعرف بصفقة القرن، مثل تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو مقايضة الأراضي لإيجاد وطن بديل لهم. وأكد أن مصر، قيادة وشعبًا، رفضت هذا الطرح بشكل قاطع، داعيًا إلى ضرورة التصدي لأي محاولات للمساس بالسيادة المصرية أو التأثير على قراراتها المستقلة.