مقدمة: خطاب يرتقي إلى مستوى التحديات الإقليمية
وسط أجواء مشحونة بالتوتر السياسي والتداعيات الإنسانية الكارثية التي تعصف بالشرق الأوسط، جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام الجلسة الثانية لمؤتمر الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي لتسلط الضوء على معاناة الشعبين الفلسطيني واللبناني، وتعيد طرح رؤية مصرية متكاملة لحل أزمات المنطقة.
الخطاب الذي حمل لغة صريحة وواضحة، لم يقتصر على استعراض الوقائع المؤلمة للأحداث الجارية، بل قدم إطارًا عمليًا للتعامل مع الأزمات، في ظل ما وصفه الرئيس بـ”ازدواجية المعايير” التي أفقدت المجتمع الدولي مصداقيته، و”تهميش قواعد القانون الدولي” أمام جرائم الحرب والانتهاكات التي تتصاعد يومًا بعد يوم.
أولًا: الكارثة الإنسانية في غزة – جريمة في وضح النهار
كلمة الرئيس السيسي وضعت مأساة غزة في إطارها الصحيح: إبادة جماعية ومعاناة إنسانية غير مسبوقة.
1. الأرقام تُحاكي هول الكارثة:
• 45 ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال.
• 107 آلاف جريح في قطاع يعاني انهيارًا كاملًا في منظومته الصحية.
• 1.9 مليون نازح، يمثلون أكثر من 85% من سكان القطاع.
• تدمير 70% من البنية التحتية، مما يجعل غزة “أرضًا محروقة” غير صالحة للحياة.
• معدلات الفقر والبطالة والجوع تجاوزت 80%، مع توقعات بأن يعاني 90% من السكان نقصًا غذائيًا حادًا.
2. السياسة الإسرائيلية: تصعيد مستمر وانتهاكات يومية:
• استمرار الحرب وتوسعها إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية عبر اقتحامات عسكرية وتوسيع الأنشطة الاستيطانية.
• استهداف الموظفين الدوليين ومنظمات الإغاثة، مما يعمق الأزمة الإنسانية ويفاقم المعاناة.
3. الرسالة المصرية: حل جذري ينهي المأساة:
أكد الرئيس السيسي أن أي تصور لـ”اليوم التالي” في غزة يجب أن يستند إلى:
• وقف فوري ومستدام لإطلاق النار.
• رفع العوائق الإسرائيلية أمام الإغاثة الإنسانية.
• تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
• رفض مصر القاطع لأي محاولات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسري أو عزل غزة عن الضفة الغربية والقدس.
الرؤية المصرية هنا تتجاوز الحلول المؤقتة أو الإنسانية لتضع أساسًا سياسيًا وقانونيًا عادلًا، يستند إلى الشرعية الدولية ويضمن للشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية والمشروعة.
ثانيًا: لبنان – دعم مصري ثابت في وجه المحنة
تطرق الرئيس السيسي إلى الأوضاع الكارثية في لبنان بعد توسع دائرة الحرب الإسرائيلية لتشمل الجنوب اللبناني.
1. حجم المعاناة الإنسانية:
• استشهاد أكثر من 4,000 شخص، بينهم نساء وأطفال.
• إصابة أكثر من 16 ألف جريح.
• نزوح 1.2 مليون شخص، مما يهدد بتفاقم أزمة إنسانية طويلة الأمد.
2. الدور المصري الإنساني:
• إقامة جسر جوي إغاثي بين القاهرة وبيروت لنقل 92 طنًا من المستلزمات الطبية والإغاثية.
• التأكيد على ضرورة إعادة إعمار لبنان، حيث تشير التقديرات الدولية إلى الحاجة لأكثر من 5 مليارات دولار كحد أدنى.
3. حل سياسي مستدام:
شدد الرئيس على أهمية:
• التنفيذ الكامل وغير الانتقائي لـقرار مجلس الأمن رقم 1701.
• دعم الجيش اللبناني لبسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية.
• استكمال المسار الدستوري بانتخاب رئيس للجمهورية، في إطار السيادة الوطنية والتوافق الداخلي.
الرئيس السيسي بهذا الموقف يُعيد التأكيد على مبدأ التضامن العربي، ويُجدد التزام مصر بمساندة لبنان وشعبه في تجاوز المحنة، سياسيًا وإنسانيًا.
ثالثًا: الانتهاكات الإسرائيلية في سوريا – دفاع مصر عن وحدة وسيادة الدول
لم يغفل الرئيس السيسي الإشارة إلى الوضع في سوريا، حيث تواصل إسرائيل انتهاكاتها عبر:
• الاستيلاء على المزيد من الأراضي السورية.
• إلغاء اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 من طرف واحد.
موقف مصر كان واضحًا وصريحًا:
• رفض هذه الانتهاكات بأشد العبارات.
• دعم وحدة سوريا واستقرارها.
• التأكيد على أهمية إنجاح العملية السياسية الشاملة بمشاركة كل مكونات الشعب السوري، بعيدًا عن التدخلات الخارجية.
رابعًا: الثوابت المصرية – الأمن والاستقرار أساس التنمية
اختتم الرئيس السيسي كلمته بتأكيد دور مصر المحوري كركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة.
• مصر لن تتخلى عن مسؤولياتها تجاه أشقائها العرب والمسلمين.
• ستواصل مصر جهودها المكثفة لخفض التصعيد وإنهاء التوترات في المنطقة.
• التأكيد على أهمية تحقيق التنمية المستدامة كمسار حتمي لبناء مستقبل أفضل للشعوب العربية.
الرئيس السيسي وضع بذلك إطارًا متكاملًا يجمع بين الحلول السياسية والجهود الإنسانية والدبلوماسية التي تهدف إلى إنهاء الصراعات وبناء السلام المستدام.
تحليل الرسائل السياسية في الخطاب
1. فضح ازدواجية المعايير الدولية:
انتقاد الرئيس للصمت الدولي تجاه جرائم إسرائيل يُعيد طرح تساؤلات حول مصداقية المؤسسات الدولية، ويُبرز الحاجة إلى إعادة تقييم المنظومة العالمية بما يحقق العدالة.
2. رؤية مصرية شاملة:
الخطاب يُبرز دور مصر كدولة قائدة تتبنى مواقف متوازنة تجمع بين الدعم الإنساني والضغط السياسي لتحقيق الحلول الدائمة.
3. التضامن العربي والإسلامي:
دعوة الرئيس إلى توحيد الجهود لمواجهة التحديات تؤكد أهمية العمل الجماعي العربي في التصدي للمخططات التي تهدد الأمن القومي العربي.
ختام: مصر صوت الحق ورمز القيادة الإقليمية
كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الدول الثماني حملت رسائل إنسانية وسياسية شديدة الأهمية، مُذكّرة العالم بمكانة مصر التاريخية كمدافع عن قضايا الأمة العربية، وصوت العدالة في مواجهة الانتهاكات.
مصر التي تتحرك بثقة ومسؤولية، تُقدم اليوم نموذجًا للقيادة الرشيدة التي تسعى لتحقيق السلام والاستقرار، دون التفريط في حقوق الشعوب، أو السماح بتصفية قضيتهم العادلة.
هذا الخطاب يؤكد أن مصر ستظل دائمًا في مقدمة الصفوف، تحمل هموم الأمة وتسعى لبناء مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا لشعوبها.