بعد اندلاع أحداث السابع من أكتوبر من العام الماضي، والرد الوحشي لإسرائيل على سكان غزة والإبادة الجماعية والحصار والتجويع دون رحمة، وكأن المنطقة بأكملها اشتعلت وأصبحت إسرائيل كثور هائج يطيح بالدول المحيطة به تحت ستار الدفاع عن النفس والحديث المستمر عن شرق أوسط جديد بقيادة إسرائيل، للدرجة التي جعلت رئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة يقف حاملًا في يده خارطة للشرق الأوسط بما يتناسب مع توسع إسرائيل في المنطقة.
وهنا نتذكر حديث وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس عام 2006 عندما تحدثت عن الشرق الأوسط الجديد (تقسيم – المقسم)، ولكن من أين أتت وزيرة الخارجية الأمريكية بهذه الفكرة الشيطانية؟ أَيكفي الغرب سايكس بيكو واحدة؟
في الحقيقة، هذه الفكرة لم تكن أبدًا لكونداليزا رايس، بل كانت وثيقة ودراسة نشرتها مجلة كيفونيم الناطقة باسم إدارة الإعلام في المنظمة الصهيونية العالمية عام 1982. وهذه الدراسة لشخص يدعى عوديد ينون، وهو مسؤول سابق في الخارجية الإسرائيلية، وأيضًا عمل كمستشار سابق لآرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل السابق.
الدراسة بعنوان “استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات”، وملخص هذه الدراسة هو تفتيت الدول العربية والإسلامية عبر التناحر الطائفي والعرقي وهدم قوتها العسكرية لتحقيق حلم إسرائيل بدولة تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات. ولكن ليس هذا كل شيء؛ بل شرحت الوثيقة بالتفصيل كيف سيسير المخطط وأسماء الدول التي ستكون هدفًا للمخطط التوسعي الصهيوني.
تتحدث الوثيقة عن أن إسرائيل الكبرى ستضم أجزاء من: لبنان، سوريا، العراق، مصر، المملكة العربية السعودية، المملكة الأردنية. وستنشئ عددًا من الدول الطائفية أو العرقية الوكيلة عنها في المنطقة لضمان تفوقها وسيطرتها. كما رأت الوثيقة ضرورة تقسيم العراق إلى ثلاث دول: دولة كردية، دولة سنية، ودولة شيعية.
ويشمل المخطط أيضًا تقسيم سوريا، لبنان، مصر، إيران، تركيا، الصومال، باكستان ودول شمال إفريقيا إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية وطائفية. وأشارت الوثيقة إلى ضرورة أن تكون هذه الدويلات معتمدة على إسرائيل في بقائها وتحت قيادات منفصلة تمامًا عن مواطنيها، تقمع أي محاولة للتمرد، وبذلك تتحول المنطقة إلى دويلات هشة وضعيفة لا قدرة لها على التصدي لإسرائيل التي ستتوسع إلى ما بين نهري دجلة والفرات.
والآن، تحقق جزء من خطة ينون؛ إذ تم القضاء على فلسطين ولبنان وسوريا، وحققت إسرائيل حلمها بضم أجزاء من هذه الدول. كما اتخذت من عملية “طوفان الأقصى” ذريعة للتعجيل في تنفيذ حلمها الذي لم يتحقق لقرون بأرض تمتد من النيل إلى الفرات لإقامة دولتهم التي يزعمون أن الله وعدهم بها، ولن يتحقق هذا الحلم إلا بتفتيت دول الآخرين.