تعلمنا منذ نعومة أظفارنا، ونحن أشبال، أن نكون مقاومين ومناضلين. نشأنا على أيدي رجال حملوا أرواحهم على أكفهم وتركوا بيوتهم ليقاوموا الاحتلال الغاشم، وعلى رأسهم الرمز الوطني الكبير ياسر عرفات. تعلمنا أن السلاح الفلسطيني الموجه ضد العدو هو سلاح واحد لجميع الفصائل، وأن العلم الفلسطيني هو علم واحد يجمع شملنا تحت راية النضال.
لقد عشنا وعايشنا مراحل صعبة في التاريخ الفلسطيني، إلا أن شعبنا لم يُهَن أبدًا في أي حرب خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية. على العكس، كان شعبنا يُصان وتُحفظ كرامته، وكان يجد من يحميه ويُؤمن له قوته حتى في ظل سقوط المخيمات، ورغم العدد الكبير من أبناء وطننا المشتتين. ومع الأسف، كان بعض هذا السقوط على يد ميليشيات لبنانية، وجيش سوريا، وفصائل فلسطينية منشقة، إضافة إلى العدو الأكبر، جيش الاحتلال الإسرائيلي.
إنه من الخطأ الجسيم أن يمنح أي فصيل فلسطيني لنفسه حق احتكار المقاومة أو أن يزعم أن النضال ملك له وحده. فشعبنا الفلسطيني بأكمله مقاوم، بكل أطيافه وفئاته. واليوم، نرى فصيلًا مثل حركة حماس، تدّعي المقاومة والبطولة بينما قيادتها تلهث خلف متاع الدنيا بين قطر، وإيران، وتركيا. في المقابل، تُرك بعض شبابها المغرر بهم ليقاوموا وحدهم، وليُورَّط الشعب الأعزل في حرب لم تكن ردود أفعالها محسوبة ولا مدروسة.
إن ما نراه الآن هو نتيجة غباء سياسي وعسكري تدفع ثمنه غزة وكل شعبنا الفلسطيني. ولن يقبل أحد بأن يُقال إن هذا هو مصير الشعب الفلسطيني الذي اعتاد التضحية، لأن شعبنا قد تعب من التضحيات. نحن اليوم أمام واقع مرير، حيث يدفع الشعب الفلسطيني الثمن غاليًا، بينما يجلس البعض خلف شاشات التلفاز في راحة من بيوتهم، يأكلون ويشربون وينعمون بالدفء، دون أن يعيشوا معاناة الجوع أو النوم في الخيام تحت برد الشتاء القارس.
لقد أصبح النضال الفلسطيني، مع الأسف، محصورًا في فصيل واحد هو حماس، التي بدأت منذ تأسيسها بورقة إيرانية، ثم تحولت إلى ورقة تركية وسورية، ولاحقًا إلى ورقة قطرية، واليوم يبدو أن الحوثيين قد يكونون الورقة القادمة.
وفي ظل تعثر التوصل إلى الهدنة حتى الآن، لا يمكن تحميل المسؤولية كاملة لرئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، لأن الحقيقة أن حماس ونتنياهو شريكان في هذه الحرب ودمار شعبنا الفلسطيني. ما يحدث اليوم ليس سوى تجارة بالدم الفلسطيني، ومساومة على حساب الكرامة الوطنية.
وإذا نظرنا إلى ما يجري في محافظات الضفة الغربية، نجد أن بعض الخارجين عن القانون قد بدأوا بالعبث، بينما تخرج بعض الأصوات بكل وقاحة لتشكر إيران على دعمها. هل أصبح العبث بمصير الضفة هو الهدف القادم؟ ولماذا لم يكتفوا بما فعلوه في غزة من دمار وخراب؟ إن ما نخشاه هو أن تُجر الضفة إلى نفس المصير المأساوي.
إن حركة حماس أصبحت مرضًا خطيرًا أصاب شعبنا الفلسطيني، وبدأ ينتشر بشكل كبير يهدد ما تبقى من وطننا. ولأجل أن نبني الوطن من جديد ونتعافى من هذا المرض، يجب علينا أن نتخلص من هذا العبث الذي تديره حماس وأمثالها.
إن الوطن ينزف، ولا بد من وقفة وطنية جادة لوقف هذا التدهور. شعبنا الفلسطيني الذي قدم أغلى ما يملك يستحق قيادة حكيمة مسؤولة تُعيد توحيد الصف الفلسطيني وتضع حدًا للمغامرات غير المحسوبة التي تُدمر كل شيء. ولله الأمر من قبل ومن بعد.