أثار حديث أحمد الشرع، القائد العام لتنظيم داعش، لتلفزيون سوريا جدلًا واسعًا لما حمله من تناقضات صارخة ومحاولات لتجميل صورة التنظيم الإرهابي. ففي الوقت الذي تحدث فيه عن ضرورة تجاوز “عقلية الثورة” وبناء دولة العدالة والمؤسسات، تجاهل الشرع الدور التخريبي لداعش في تدمير سوريا وتهديد استقرارها. كما حاول من خلال تصريحاته تحميل النظام السابق كل مآسي البلاد، بينما أغفل جرائم التنظيم التي فاقمت معاناة الشعب السوري وحوّلت مناطق سيطرته إلى بؤر للفوضى والدمار. هذا الخطاب، الذي يزعم إعادة البناء والاستقرار، لا يمكن قراءته سوى كمحاولة بائسة لإعادة كتابة التاريخ وتبييض سجل تنظيم دمّر كل أسس الدولة والإنسانية في سوريا.
أولًا: “تحرير دمشق” بين شعارات كاذبة وحقيقة الدمار الشامل
ما يزعمه أحمد الشرع حول “تحرير دمشق” لا يعدو كونه مجرد دعاية جوفاء تُخفي وراءها أهوالًا من الدمار والخراب الذي أحدثه تنظيمه الإرهابي. لا يُمكن وصف ما حدث في دمشق، أو أي مدينة سورية أخرى، بأنه “تحرير”، فكيف لمدينة تُهدم بيوتها على رؤوس ساكنيها، وتُحرم من أي مظاهر الحياة، أن تكون حُررت؟ إذا كانت الحرية تُقاس بالدماء والموت، فلا شك أن داعش قد نجح في “تحرير” أجزاء من سوريا عبر ارتكابه المجازر وتهجير أهلها وتشريدهم. الشرع يتباكى على الظروف المأساوية التي عاشها السوريون خلال النزاع، متجاهلًا تمامًا أن تنظيمه كان أحد أكبر مسببي هذه المآسي. لقد حولوا سوريا إلى أرض محروقة، فرضوا عليها نظامًا همجيًا يُنكر حتى أبسط حقوق الإنسان. لم يعرف العالم مشاهد الرعب والوحشية بمثل هذا الكم إلا بعد ظهور التنظيم الإرهابي الذي يتزعمه الشرع.
خطاب الشرع يسعى بوضوح إلى تزوير الحقائق وإعادة كتابة التاريخ بما يخدم أجندة داعش. فهو يستخدم مصطلحات مضللة مثل “تحرير” و”إعادة بناء” ليُظهر التنظيم بمظهر المُخلص، بينما الحقيقة أن كل منطقة دخلها داعش تحولت إلى مقبرة مفتوحة. مشاهد السبي، الإعدامات الجماعية، تدمير التراث الحضاري، ونهب الممتلكات العامة والخاصة ليست إلا نماذج قليلة من “إنجازات” داعش. الشرع لم يُحرر دمشق، بل قاد حملات دموية أسقطت آلاف الأبرياء، وأعاد سوريا إلى عصور الظلام. فليتوقف عن محاولة تقديم تنظيمه كقوة تحرير أو بناء، فالواقع أثبت أن “الخلافة المزعومة” لم تكن إلا وكرًا للإرهاب، ومدرسة لتفريخ القتلة والمتطرفين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق شعب أعزل.
ثانيًا: “نقل العقلية من الثورة إلى بناء الدولة” – تزييف فج للواقع
أحمد الشرع يدعو في كلمته إلى “نقل العقلية من الثورة إلى بناء الدولة”، في محاولة يائسة لتقديم تنظيمه الإرهابي كقوة مسؤولة تسعى لبناء دولة حديثة. ولكن السؤال الأهم: أي دولة يقصد؟ هل يقصد تلك التي فرضوا فيها قوانينهم الظلامية؟ أم دولة الرعب والخوف التي عاشها السوريون تحت حكمهم؟ من الواضح أن الشرع يحاول استخدام المصطلحات الحديثة مثل “الحوكمة” و”المؤسسات” ليُضفي على خطابه مصداقية زائفة. لكن العالم أجمع يعرف أن تنظيم داعش كان ولا يزال العدو الأول لمفهوم الدولة بمؤسساتها وقوانينها.
تجربة داعش على الأرض أثبتت أنهم لا يعرفون شيئًا عن بناء الدولة. ما شهدناه من هذا التنظيم هو عمليات ممنهجة لإبادة الأقليات، وإقامة محاكم تفتيش تعود بنا إلى العصور الوسطى، ونهب للموارد وفرض ضرائب مُجحفة على المدنيين. أين كانت مؤسساتهم حينما هدموا المدارس والمستشفيات، وقطعوا رؤوس الأبرياء في الساحات العامة؟ لقد سعى داعش منذ ظهوره إلى القضاء على أي مظهر للحياة المدنية، واستبدلوا ذلك بمظاهر القتل والتعذيب والتنكيل. إن حديث الشرع عن بناء الدولة ليس إلا نفاقًا سياسيًا يُخفي وراءه نواياهم الحقيقية المتمثلة في استمرار فرض أيديولوجيتهم المتطرفة على المجتمع.
إذا كان الشرع جادًا في حديثه عن “تجاوز عقلية الثورة”، فالأولى به أن يعترف بأن تنظيمه الإرهابي كان أكبر خنجر في ظهر الثورة السورية. داعش كان سببًا رئيسيًا في تشويه الثورة أمام العالم، حيث قدم نفسه كبديل للنظام، لكنه أثبت أنه أكثر وحشية ودموية. كيف يمكن لمن استباح دماء الأبرياء، واغتصب النساء، وهدم المدن، أن يتحدث عن بناء دولة العدالة والمؤسسات؟ خطابه ليس إلا محاولة لتجميل صورة مشوهة أمام العالم، لكن الحقيقة لن تُمحى: داعش لم يكن إلا كارثة على سوريا وشعبها.
ثالثًا: “إسقاط النظام خلال 11 يومًا” – التباهي بخراب الوطن
أحمد الشرع يفتخر بما وصفه “إسقاط النظام خلال 11 يومًا”، ويُحاول أن يُقدّم ذلك كإنجاز عسكري يُحسب لتنظيمه، لكن الحقيقة أن هذا الإنجاز ليس سوى إعلان صارخ عن حجم الخراب الذي أحدثه التنظيم. فالمعارك التي قادها داعش لم تستهدف النظام بقدر ما استهدفت الشعب السوري ومقدراته. الخطط “الطويلة” التي يتفاخر بها الشرع لم تكن إلا تخطيطًا لعمليات قتل جماعي وتشريد آلاف العائلات. لقد كان إسقاط النظام بالنسبة لداعش مُجرد غطاء لإحكام سيطرتهم على الأرض، ونهب ثرواتها، وبث الرعب في نفوس المدنيين.
فالتنظيم الذي يزعم أنه جاء “لتحرير سوريا” هو نفسه من ارتكب أبشع المجازر بحق السوريين، سواء من معارضيه أو ممن رفضوا الانصياع لقوانينه الهمجية. الحديث عن إنجاز عسكري يُخفي حقيقة أن داعش لم يُسقط النظام، بل ساهم في إطالة أمد الصراع عبر تقديمه ذريعة للتدخلات الخارجية، وتوحيد جميع الأطراف ضد خطر الإرهاب. الشرع يفتخر بسرعة “الإنجاز”، لكنه يتجاهل أن ما سقط خلال هذه الأيام الـ11 هو كرامة السوريين، ومستقبل وطنهم، الذي تمزق بفعل همجية التنظيم.
إن التباهي بمدة قصيرة لإسقاط النظام يُظهر العقلية التي تحكم داعش: السرعة في التدمير، دون أي اكتراث لحجم الخسائر البشرية والمادية. فمن السهل أن تُشعل النار في بيت، لكن من المستحيل إعادة بنائه بسرعة. الشرع يتفاخر بما لا يستحق الفخر؛ فالتاريخ سيُسجّل أن ما حققوه كان نصرًا مزيفًا مبنيًا على أنقاض وطن مُدمّر.
رابعًا: “إنهاء الوجود الإيراني” – مزاعم فارغة وتناقضات فاضحة
حديث أحمد الشرع عن “إنهاء الوجود الإيراني في سوريا” ليس سوى محاولة للظهور بمظهر القوة الحامية للسيادة الوطنية، بينما الحقيقة أن التنظيم الإرهابي الذي يتزعمه هو من استباح أرض سوريا وجعلها ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. إن ادعاء الشرع بأنهم نجحوا في إخراج إيران يتناقض مع الواقع، حيث لم يكن لداعش أي مشروع حقيقي لمواجهة الأطراف المتدخلة في سوريا بقدر ما كان التنظيم أداة أخرى لتعميق النزاع وتشتيت الجهود الوطنية.
إن الحديث عن مواجهة الوجود الإيراني يفقد معناه عندما يصدر عن جهة متورطة في تفكيك الدولة السورية وتمزيق نسيجها الاجتماعي. داعش، مثل إيران تمامًا، استغل الفوضى لتحقيق أجنداته الخاصة على حساب الشعب السوري. فبدلًا من مواجهة الأطماع الخارجية، عمد التنظيم إلى نشر فكر التطرف وتكريس الاحتلال الداخلي عبر ممارساته الوحشية وفرض قوانينه الظلامية. فكيف يمكن لمن مزق الجسد السوري أن يدّعي الحفاظ على سيادته؟
وما يزيد من فجاجة هذا الخطاب أن الشرع يحاول التفريق بين الشعب الإيراني ونظامه، في الوقت الذي لم يُظهر فيه تنظيمه أي رحمة تجاه المدنيين الأبرياء، سواء كانوا سوريين أو من جنسيات أخرى. الحقيقة أن داعش لم يكن مهتمًا بالتصدي للنفوذ الإيراني بقدر ما كان يسعى لفرض سيطرته عبر نشر الرعب والدمار، بل إن جرائمه أعطت لإيران وحلفائها مبررات إضافية لتوسيع نفوذهم بذريعة محاربة الإرهاب. لذلك فإن تصريح الشرع بهذا الشأن مجرد محاولة فاشلة للتنصل من دوره في تحويل سوريا إلى ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية.
خامسًا: “محاربة الكبتاغون” – نفاق بوجهين
أثار الشرع في حديثه مسألة محاربة إنتاج الكبتاغون، متهمًا النظام السابق بتحويل سوريا إلى “مصنع” لهذه المادة المخدرة، وهو اتهام يحمل الكثير من المفارقة والنفاق. فكيف لتنظيم متورط في عمليات التهريب ونهب ثروات سوريا أن يتحدث عن محاربة المخدرات؟ لقد كانت مناطق سيطرة داعش حاضنة لأوسع عمليات التهريب غير الشرعي، سواء عبر الحدود أو في السوق السوداء. التنظيم لم يكن فقط جزءًا من المشكلة، بل ساهم في تعميقها عبر استغلال تجارة المخدرات كأحد مصادر تمويله الرئيسية.
إن محاولة الشرع الظهور بمظهر المُصلح الذي يكافح هذه الظاهرة ليست إلا دعاية سياسية مضللة. فما فعله داعش في سوريا كان أشد خطورة من المخدرات نفسها؛ إذ نشر فكرًا متطرفًا سمّم عقول الشباب، وحوّلهم إلى أدوات للقتل والتدمير. فالمخدرات قد تُفسد الجسد، لكن التطرف الذي نشره داعش دمّر العقول والمجتمعات بأكملها.
ولعل ما يزيد من قسوة هذا التناقض أن التنظيم استغل الفوضى الاقتصادية والاجتماعية لابتزاز المدنيين وفرض ضرائب باهظة على أي نشاط اقتصادي، حتى لو كان محاربة الكبتاغون ضمن أولوياته كما يزعم، فإن ما فعله من تدمير للاقتصاد السوري كان أضعاف ما أحدثه إنتاج المخدرات. لقد حوّل الشرع هذا الملف إلى شعار دعائي خالٍ من أي مضمون حقيقي، في محاولة لاستعادة ثقة مفقودة أمام السوريين والعالم.
سادسًا: “مأساة إنسانية وصمت دولي” – ازدواجية في الخطاب
في حديثه عن الوضع الإنساني، انتقد أحمد الشرع ما أسماه “التصعيد الروسي”، محذرًا من تكرار سيناريو غزة في شمال سوريا. لكن هذا الحديث يُظهر بوضوح ازدواجية خطاب الشرع وتناقض مواقفه؛ فالتنظيم الذي يتزعمه كان أحد أهم أسباب تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا، إذ تسببت ممارساته الوحشية في تهجير الملايين وتشريدهم. فما الفرق بين قصف الطيران الروسي وبين ذبح المدنيين على يد مقاتلي داعش؟
إن محاولات الشرع تصوير نفسه كمدافع عن الشعب السوري في مواجهة القوى الخارجية هي محض كذب وتزييف. الحقيقة أن التنظيم استغل الأزمة الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، حيث فرض حصارات على المدن، وجوّع المدنيين، واستخدمهم دروعًا بشرية في معاركه. حتى عندما تطرق إلى “التخوف من تكرار سيناريو غزة”، كان ذلك في سياق سياسي يسعى إلى تسويق نفسه كطرف يُدافع عن الشعب، بينما الواقع أن داعش هو المسؤول الأول عن استنساخ مآسٍ مماثلة لتلك التي تحدث في غزة داخل سوريا.
الشرع لم يتطرق في حديثه إلى الجرائم التي ارتكبها تنظيمه، بل تجاهل دوره في تدمير البنية التحتية، وحرمان السوريين من أبسط مقومات الحياة. هذه الازدواجية في الخطاب تُظهر أن الشرع يسعى لتلميع صورة داعش على حساب معاناة السوريين الذين عانوا من هذا التنظيم بقدر ما عانوا من أي طرف آخر في الصراع.
سابعًا: “العقلية الثورية وبناء الدولة” – ادعاءات زائفة وتناقض مستمر
حديث أحمد الشرع عن ضرورة تجاوز “عقلية الثورة” لبناء دولة العدالة والمؤسسات يكشف عن تناقض صارخ في خطابه. فكيف لتنظيم مثل داعش، الذي نشأ على أنقاض الفوضى وزرع بذور الانقسام والكراهية، أن يتحدث عن بناء دولة حديثة؟ إن فكرة الدولة بالنسبة لداعش لم تتعدَّ كونها غطاءً لفرض حكم الإرهاب والجهل، حيث عمد إلى هدم كل المؤسسات المدنية والتعليمية والقضائية، مستبدلًا إياها بقوانينه المتطرفة التي أعادت المجتمع السوري إلى عصور الظلام.
في مناطق سيطرة داعش، لم تكن هناك “مؤسسات” بالمعنى الحقيقي، بل كانت هناك محاكم صورية أصدرت أحكام الإعدام بالجملة، ومدارس أُغلقت لتحل محلها مراكز لنشر الفكر التكفيري. فحديث الشرع عن بناء دولة القانون ليس سوى خطاب دعائي يسعى لتبييض سجل التنظيم الأسود الذي ارتكب فظائع لا حصر لها بحق المدنيين. إن من دمّر مفهوم الدولة من الأساس لا يحق له أن يتحدث عن إعادة بنائها.
أما عن دعوته إلى “الابتعاد عن عقلية الثورة”، فهي محاولة أخرى لإخفاء الجرائم التي ارتكبها التنظيم تحت غطاء الثورة. فالشرع يدّعي أن الهدف هو بناء دولة مستقرة، بينما في الحقيقة كان التنظيم يقتات على استمرار الفوضى والنزاعات لتوسيع نفوذه. وإذا كانت هناك دعوة جادة لبناء دولة العدالة والمؤسسات، فهي تأتي أولًا عبر محاسبة داعش على جرائمه التي دمّرت فرص الاستقرار لعقود قادمة.
ثامنًا: “العلاقة مع روسيا” – إرضاء القوى الكبرى على حساب الحقيقة
تطرق الشرع في حديثه إلى العلاقة مع روسيا، مشيرًا إلى حرصه على “إعادة تقييم العلاقة معها بما يخدم المصالح المشتركة”، وهو تصريح يُظهر انتهازية صارخة ورغبة التنظيم في تقديم نفسه كطرف سياسي شرعي. لكن الحقيقة أن داعش لم يكن سوى أداة لتبرير التدخل الروسي العسكري في سوريا. إن ممارسات التنظيم الإرهابية من قتل وترويع وتهديد إقليمي أعطت روسيا ذريعةً للتدخل المباشر تحت شعار “محاربة الإرهاب”، ما أدى إلى تفاقم الأزمة وتعميق معاناة الشعب السوري.
الشرع هنا يتحدث بلهجة مراوغة تهدف إلى طمأنة القوى الكبرى ومحاولة تقديم داعش كطرف مسؤول قادر على إدارة علاقات دولية متوازنة، لكن هذا الخطاب يُخفي تحت السطح حقيقة أن التنظيم كان – وما زال – طرفًا فوضويًا لا يؤمن بأي قواعد دبلوماسية أو شرعية دولية. إن إلقاء اللوم على روسيا فقط دون التطرق إلى دور داعش في تمزيق البلاد هو تهرّب من المسؤولية التاريخية التي يتحملها التنظيم.
من ناحية أخرى، استخدام مصطلح “المصالح المشتركة” مع روسيا يُعتبر محاولة لتقديم تنازلات سياسية ضمنية تُناقض الخطاب الثوري المتطرف الذي أسّس عليه التنظيم وجوده. هذا التناقض يكشف أن الشرع يسعى لإعادة إنتاج داعش بواجهة سياسية، لكنه لن يتمكن من محو سجلّه الأسود في ذاكرة السوريين الذين عانوا ويلات حكمه.
تاسعًا: “النظام السابق كان مزرعة” – تجميل الذات على حساب الآخرين
وصف أحمد الشرع للنظام السابق بأنه “مزرعة لا دولة” يحمل جزءًا من الحقيقة، لكنه يفتقر إلى الموضوعية، إذ إن تنظيمه لم يختلف كثيرًا عن النظام الذي ينتقده. صحيح أن نظام الأسد مارس سياسات استبدادية ونهب مقدرات الشعب السوري، لكن داعش جاء ليُكمل هذا الدمار بأسلوب أكثر همجية. فقد حوّل التنظيم مناطق نفوذه إلى “إقطاعيات” خاصة به، حيث استغل السكان وفرض عليهم إتاوات باهظة تحت مسمى “الزكاة”، ونهب الموارد الطبيعية كالنفط لتمويل مشروعه الدموي.
إن حديث الشرع عن نشر وثائق تُثبت حجم السرقات لا يُغيّر حقيقة أن التنظيم نفسه مارس أبشع أشكال السلب والنهب. فمن ينسى عمليات التنقيب غير الشرعي عن الآثار وبيعها في السوق السوداء؟ ومن ينسى استيلاء داعش على المساعدات الإنسانية واحتكارها لتجويع الأهالي وإخضاعهم لسلطته؟
كما أن انتقاد الشرع للنظام السابق يُظهر محاولة مكشوفة لتلميع صورة داعش وشيطنة الآخرين دون الاعتراف بمسؤوليته المباشرة عن تحويل سوريا إلى ساحة حرب دموية. إذا كان النظام السابق قد حوّل سوريا إلى مزرعة، فإن داعش حوّلها إلى جحيم أرضي، حيث لا حياة ولا كرامة ولا أمل.
عاشرًا: “مستقبل سوريا والاستقرار” – محاولة يائسة لإعادة كتابة التاريخ
في ختام حديثه، دعا أحمد الشرع إلى إعادة بناء سوريا وتحقيق الاستقرار والعدالة، متحدثًا عن تلبية احتياجات الشعب الأساسية. لكن هذا الخطاب لا يمكن أن يصدر عن قائد لتنظيم دمّر البلاد وأهلك العباد. كيف يمكن لمجرم حرب أن يدّعي اليوم أنه جزء من الحل؟ إن حديث الشرع عن إعادة الإعمار هو محاولة يائسة لتبييض تاريخ التنظيم الأسود الذي ساهم في دمار البنية التحتية وتشريد الملايين.
إن مستقبل سوريا لا يمكن أن يتحقق بوجود بقايا تنظيمات إرهابية مثل داعش، لأن هذه الكيانات لا تؤمن بمفاهيم الدولة الحديثة، بل تسعى إلى فرض سلطتها بالقوة والعنف. إعادة البناء تتطلب أولًا اجتثاث الفكر المتطرف الذي نشره داعش، ومحاسبة قادته على جرائمهم ضد الإنسانية.
محاولة الشرع الظهور كقائد “مُصلح” يتحدث عن العدالة والاستقرار هي مجرد مغالطة مكشوفة، لأن من شارك في إحراق سوريا لا يمكن أن يدّعي اليوم امتلاك أدوات إنقاذها. الشعب السوري وحده هو من سيدفع ثمن جرائم داعش، وسيكون على السوريين مهمة إعادة بناء بلدهم بعيدًا عن بقايا الفكر الإرهابي الذي دمّر كل معالم الحياة والإنسانية في وطنهم.
في الختام
يظهر خطاب أحمد الشرع لتلفزيون سوريا محاولة مفضوحة للابتعاد عن واقع جرائم تنظيم داعش وتحوير الحقائق. ورغم حديثه عن ضرورة بناء دولة العدالة والمؤسسات، إلا أن ممارسات تنظيمه على الأرض كانت عكس ذلك تمامًا، حيث أسهم في تعزيز الفوضى والدمار في سوريا. ما يثير التساؤلات هو كيف يمكن لمن كان جزءًا من هذا التنظيم الدموي أن يتحدث عن إعادة بناء الدولة والعدالة؟ الحديث عن تجاوز “عقلية الثورة” وادعاء السعي لاستقرار البلاد يبدو كتعويم لغواية إعلامية تهدف إلى التغطية على سجل إرهابي حافل. فالتاريخ لن يغفر لأولئك الذين شوهوا معالم البلاد وجعلوا من سوريا ساحة للصراعات والمصالح الخارجية، والمستقبل يتطلب محاسبة حقيقية لأولئك الذين ساهموا في هذه المأساة.