منذ بداية اندلاع الثورة السورية في عام 2011، لم تكن الأزمة السورية مجرد صراع داخلي بين الشعب السوري ونظام الأسد، بل كانت ساحة لتداخلات إقليمية ودولية معقدة، حيث تدخلت العديد من القوى الكبرى في المنطقة لتحقيق مصالحها الخاصة. ولعل من أبرز هذه الدول الخليجية التي لعبت دورًا محوريًا في هذا الصراع هما قطر والسعودية، اللتان كان لهما تأثير كبير في دعم مختلف الفصائل المسلحة، بما في ذلك الجماعات الإسلامية المتطرفة. فبينما سعت قطر إلى دعم المعارضة المعتدلة في البداية، كانت السعودية تشهد تحولات في استراتيجيتها تجاه الجماعات المتطرفة. وبالرغم من أن هذه التدخلات كانت تحمل طابعًا سياسيًا ودينيًا، فإنها أثرت بشكل عميق على مجريات الأحداث في سوريا، مما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي والدولي بشكل غير مسبوق.
قطر: الدعم العسكري والسلاح للمعارضة السورية
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، بدأت قطر في اتخاذ خطوات عملية لدعم المعارضة السورية، خاصة تلك التي تمثل توجهات إسلامية سنية. وفي الوقت الذي كانت فيه الدول الغربية تتردد في اتخاذ خطوات عملية ضد نظام الأسد، كانت قطر تنشط في تقديم الدعم العسكري والمالي للفصائل المعارضة، سواء عبر تقديم الأموال أو الأسلحة المتطورة. وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، قدمت قطر مساعدات تصل إلى أكثر من مليار دولار لدعم المجموعات المسلحة السورية.
تمحور الدعم القطري بشكل رئيسي حول تزويد المعارضة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، مثل الأسلحة المضادة للدروع والذخيرة. وأشار تقرير صادر عن صحيفة نيويورك تايمز إلى أن قطر كانت في بعض الأحيان تُدرب المقاتلين السوريين داخل أراضيها، ثم تُرسلهم للقتال في سوريا. كما أظهرت بعض الوثائق المسربة أن قطر كانت تدعم تنظيمات متشددة مثل جبهة النصرة، التي كانت تتبع تنظيم القاعدة في ذلك الوقت. مع مرور الوقت، أصبح الدعم القطري يشمل أيضًا توفير أسلحة متطورة، بما في ذلك صواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات، وهو ما ساعد على تحفيز استمرارية الصراع المسلح في سوريا.
السعودية: التحولات في الدعم العسكري والديني للجماعات المتطرفة
بالنسبة للسعودية، فقد بدأت في دعم المعارضة السورية منذ الأيام الأولى للثورة، ولكن استراتيجيتها كانت أكثر تعقيدًا. في البداية، كانت السعودية تميل إلى دعم الفصائل المعتدلة التي تهدف إلى الإطاحة بنظام الأسد، وفي هذا السياق، قدمت السعودية دعمًا ماليًا وعسكريًا لحركات المعارضة، وكان الهدف الأساسي هو دعم جماعات علمانية معتدلة لا تمثل تهديدًا مباشرًا للمصالح الإقليمية السعودية. ومع ذلك، وبالتزامن مع تصاعد الصراع، تحول هذا الدعم ليشمل الجماعات الإسلامية السنية المتشددة مثل جبهة النصرة، التي كانت تتمتع بعلاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة.
في عام 2013، بدأ الدعم السعودي يتوجه بشكل متزايد نحو تنظيمات إسلامية جهادية، ما دفع بعض المحللين إلى تساؤل عن مدى ارتباط هذا الدعم بسياسة السعودية لمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة. هذه التحولات لم تقتصر فقط على الدعم العسكري، بل شملت أيضًا دعماً فكريًا ودينيًا. ففي عام 2014، كشف تقرير لمركز “كارنيغي” أن السعودية قد أرسلت دعاة من وزارة الأوقاف السعودية للمساعدة في نشر الفكر الجهادي بين المقاتلين في سوريا. وقد ساعد هؤلاء الدعاة في تعزيز فكرة “الجهاد” ضد النظام السوري الذي يُعتبر في نظر هؤلاء “طاغوتًا”.
السيارات الدفع الرباعي: دعم غير مباشر للجماعات المتطرفة
من أكثر القضايا التي أثارت جدلاً حول دعم دول الخليج للجماعات المتطرفة في سوريا هي قضية السيارات المصفحة ذات الدفع الرباعي التي تم إرسالها إلى تنظيمات مثل داعش. وفقًا للتقارير، بما في ذلك تقرير نشرته صحيفة الواشنطن بوست، اشترت دول الخليج، وخاصة قطر والسعودية، ما يقارب 60 ألف سيارة من طراز “تويوتا”، وهي سيارات مثالية للاستخدام في العمليات العسكرية. ووفقًا لتقرير داخلي لشركة “تويوتا”، تم بيع هذه السيارات إلى جهات كانت تستخدمها في الهجمات العسكرية في سوريا والعراق.
الربط بين شراء هذه السيارات ودول الخليج أثار العديد من التساؤلات حول مدى تورط هذه الدول في دعم التنظيمات الإرهابية بشكل غير مباشر. فعلى الرغم من أن هذه الدول كانت تقدم الدعم العسكري والمالي للجماعات المعارضة، إلا أن المساعدة في تزويد هذه الجماعات بالمركبات الضرورية ساعدت على تسريع عملياتها العسكرية في المنطقة. وقد تم استخدام هذه السيارات في العمليات العسكرية ضد القوات السورية، وهو ما جعل داعش وتنظيمات أخرى تتمتع بقدرة أكبر على التنقل في المناطق الوعرة.
دور لبنان وعائلة الحريري في دعم القاعدة والجماعات الجهادية
تجدر الإشارة أيضًا إلى الدور الذي لعبته عائلة الحريري في لبنان، التي كانت من أبرز الداعمين لجماعات المعارضة في سوريا. في مرحلة معينة من الصراع، كانت بعض المجموعات المتطرفة مثل “فتح الإسلام” و”جند الشام” تتلقى دعمًا مباشرًا من بعض الأطراف اللبنانية التي كانت تتبنى سياسة دعم المجموعات الجهادية من أجل مواجهة حزب الله وحلفائه. كما أن الدعم السعودي لهذه الجماعات عبر الحدود اللبنانية كان يُعتبر جزءًا من سياستها الإقليمية لخلق توازن طائفي في المنطقة.
الولايات المتحدة ودورها في تمويل الجماعات المتطرفة عبر الخليج
من جانب آخر، كان للتدخل الأمريكي في سوريا دور بارز في توجيه السياسات الخليجية نحو دعم الجماعات المسلحة في سوريا. في البداية، كان الهدف الأمريكي هو إضعاف نظام الأسد، وكانت دول الخليج تقوم بتوفير الدعم المالي والعسكري من أجل تحقيق هذا الهدف. ومع مرور الوقت، تحول الهدف الأمريكي إلى محاربة تنظيم داعش الذي أصبح يشكل تهديدًا أكبر للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. لكن هذا التحول لم يكن دون تداعيات، حيث أن الدعم الخليجي للمجموعات المسلحة كان يعني في كثير من الأحيان دعم تنظيمات متطرفة على حساب الفصائل المعتدلة.
دور تركيا في الصراع السوري
بالإضافة إلى ذلك، كان لتركيا دور بارز في تعزيز شبكة الدعم لجماعات المعارضة في سوريا. ومع بدء الثورة السورية، كانت تركيا من أولى الدول التي دعمت المعارضة، سواء من خلال تأمين الحدود مع سوريا أو من خلال تزويد المعارضة بالأسلحة والمعدات العسكرية. ومع تصاعد الأزمة، بدأ الدور التركي في الظهور بشكل أكبر حيث أصبحت تركيا مركزًا لتدريب مقاتلين من المعارضة السورية، وقد لعبت تركيا دورًا رئيسيًا في تأمين الدعم السياسي واللوجستي لهذه الفصائل.
الخلاصة:
يتبين من التحليل الدقيق لدور دول الخليج في الثورة السورية أن هذه الدول، وخاصة قطر والسعودية، قد تداخلت مصالحها السياسية مع دعم الجماعات المسلحة والمتطرفة في سوريا. ورغم الادعاءات التي كانت تشير إلى أن دعم هذه الدول كان موجهًا نحو المعارضة المعتدلة، إلا أن الواقع أظهر أن هذا الدعم كان يذهب في كثير من الأحيان إلى الجماعات المتطرفة التي لا تحمل رؤى سياسية قد تتوافق مع مصلحة الشعب السوري، بل تركز على أجندات دينية وسياسية بعيدة عن الثورة الشعبية. كما أن هذا الدعم كان له تأثيرات كبيرة في تأجيج الصراع السوري، وجعل المنطقة بأسرها تتحول إلى ساحة حرب بين القوى الإقليمية والدولية، وهو ما يزال ينعكس على الوضع الأمني في سوريا وفي المنطقة بشكل عام.