لطالما أثبت الشعب المصري عبر التاريخ أنه حصن منيع وقلعة صامدة أمام كل التحديات والمؤامرات التي تحاك ضد الوطن. ففي كل مرحلة عصيبة مرّ بها العالم العربي أو المنطقة بأكملها، كانت مصر تقف شامخة، يدافع شعبها عن وحدتها واستقرارها. واليوم، وبعد أن رأينا بأعيننا ما حلّ بسوريا الشقيقة من دمار وتفكك، بات واضحًا للجميع أن هناك أيادي سوداء تسعى لتفتيت دول المنطقة وإغراقها في الفوضى والحروب. ما حدث في سوريا كان بمثابة جرس إنذار لكل الشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب المصري، الذي أصبح أكثر وعيًا وإدراكًا بخطورة المؤامرات التي تهدد وجود الدول واستقرارها.
لسنوات طويلة، حينما كنا نحذر من الفوضى ونردد: “مش عايزين نبقى زي سوريا والعراق”، كان البعض يرى أن هذه مجرد مبالغات أو دعوات للخوف، ويتعامل معها باستهتار. لكن ما جرى في سوريا أصبح واقعًا مؤلمًا لا يمكن إنكاره. لقد رأى المصريون كيف سقطت دولٌ كانت يومًا ما عزيزة وقوية، وكيف تفككت أوصالها وتحولت إلى ساحات حرب مفتوحة، لا رابح فيها إلا من أراد لها الخراب والدمار. رأينا بأعيننا ملايين اللاجئين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وسمعنا صرخات الأطفال والنساء تحت أنقاض المنازل، وتابعنا كيف أصبح الوطن، الذي كان آمنًا، أشبه بخرابة مهجورة تنعق فيها الغربان.
إن هذه الكارثة التي حلّت بسوريا لم تكن مجرد أزمة داخلية، بل كانت نتيجة مخططات مدروسة ومؤامرات محكمة نفذتها قوى تسعى لتقسيم المنطقة واستنزاف شعوبها. كان الهدف واضحًا: إسقاط الدول القوية، وتدمير جيوشها، وتحويلها إلى بؤر صراع لا تنتهي. وما يزيد من حجم المأساة أن الشعوب نفسها كانت وقودًا لهذه المخططات، بعدما نجحت قوى الشر في زرع الفتن وزعزعة الثقة بين أبناء الوطن الواحد، حتى وصل الحال إلى اقتتال الأشقاء وتدمير بيوتهم بأيديهم.
أمام هذا المشهد المأساوي، وقف المصريون ليعيدوا التفكير في قيمة وطنهم وأهمية الحفاظ على وحدتهم. أدركوا أن الفوضى حين تطرق باب أي دولة، لا تُبقي ولا تذر، وأن الاستقرار الذي ينعمون به ليس أمرًا عابرًا أو مسلمًا به، بل هو نعمة تستحق أن يُحافظ عليها بكل غالٍ ونفيس. اليوم، أصبح المصري أكثر وعيًا بخطورة التفريط في تماسك الوطن أو الانجراف وراء دعوات الهدم والفوضى التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ما حدث في سوريا كان درسًا قاسيًا للجميع، ولكنه أثبت للمصريين أنهم على الطريق الصحيح. فالشعوب التي تفرط في وحدتها وتسمح بدخول الفوضى إلى أراضيها تدفع ثمنًا باهظًا قد يستمر لعقود طويلة. السوريون لم يتوقعوا يومًا أن تتحول بلادهم إلى هذه الصورة المأساوية، لكن الانقسام والفرقة فتحا الباب لكل هذا الخراب. المصريون اليوم لا يقبلون أبدًا أن تكون بلادهم عرضة لنفس المصير، ويدركون أن الوطن ليس مجرد أرض نعيش عليها، بل هو كرامة وأمان وحياة نستمد منها قوتنا ووجودنا.
إن وعي المصريين هو الدرع الحقيقي الذي يحمي الوطن من كل المؤامرات. عندما يقف الشعب المصري على قلب رجل واحد، يصبح من المستحيل اختراق هذا الصف المتماسك أو النيل من عزيمته. عبر التاريخ، كانت وحدتنا سر قوتنا، وكانت إرادتنا الجماعية هي التي صنعت المعجزات وحافظت على هذا الوطن العظيم من السقوط في براثن الفوضى والدمار.
المصريون اليوم أكثر حرصًا على بلدهم من أي وقت مضى. كل مواطن مصري، مهما اختلفت آراؤه أو توجهاته، يعلم أن هذا الوطن هو الملاذ الأخير، وأن الحفاظ على استقراره هو مسؤولية الجميع. لقد رأينا كيف تتحول الدول إلى أشباح حين تُهدم جدرانها وتُزرع الفتن بين أبنائها، وكيف يصبح الأمن والأمان حلمًا بعيد المنال.
وفي النهاية، نقولها بكل ثقة: “مصر ليست سوريا أو العراق، ولن تكون أبدًا.. لأن المصريين، كما كانوا دائمًا، على قلب رجل واحد.” هذا الوطن، الذي صمد أمام كل الأعاصير، سيبقى قويًا بوحدة أبنائه ووعي شعبه، ولن يسمح لأحد أن يعبث بأمنه واستقراره مهما كانت التحديات.