في واحدة من أخطر القضايا التي كشفت حجم الاستهداف الإرهابي للفتيات المصريات واستغلالهن لأغراض ظلامية، أصدرت محكمة جنايات مستأنف بمجمع محاكم بدر، برئاسة المستشار حمادة الصاوي وعضوية المستشارين محمد عمار، ورأفت زكي، والدكتور علي عمارة، حكمًا تاريخيًا بمعاقبة المتهمة نجلاء محمود بالسجن المشدد لمدة 15 عامًا. كما قررت المحكمة وضعها على قوائم الكيانات الإرهابية وإغلاق مقار تنظيم «داعش» المرتبط بـ«ولاية سيناء» داخل البلاد وخارجها.
القضية، التي تعد من أبرز القضايا التي شغلت الرأي العام، كشفت عن أدوار خفية لعناصر إرهابية تضع في مخططاتها استقطاب الفتيات المصريات من بيئات هشة وتزويجهن لعناصر تنظيم داعش الإرهابي. كانت المتهمة نجلاء محمود، تلك السيدة التي بدت في ظاهرها طبيعية، لكنها كانت تقف وراء شبكة جهنمية غرضها الأساسي تجنيد القاصرات وتحويلهن إلى زوجات لعناصر التنظيم الإرهابي في الداخل والخارج.
دور نجلاء محمود في تجنيد الفتيات
منذ سنوات، بدأت نجلاء محمود أنشطتها الإجرامية بطرق خادعة لا توحي بما تخطط له. كانت تتردد على القرى الريفية في محافظة المنيا، حيث تعمل على استقطاب الفتيات الشابات والقاصرات تحت غطاء ديني، مستخدمة شعارات مضللة وخطابًا متطرفًا.
كانت نجلاء تتواصل مع الأسر الفقيرة والضعيفة وتستغل حاجتهم للمال، لتقدم لهم وعودًا كاذبة بأن تزويج بناتهم لعناصر التنظيم الإرهابي سيوفر لهن حياة كريمة وفرصًا مستقبلية أفضل. لكنها في الحقيقة كانت تبيع هؤلاء الفتيات لأمراء الدم والإرهاب في تنظيم داعش، الذين كانوا يستخدمونهن كوسائل لتحقيق أهداف التنظيم، سواء كزوجات لضمان الولاء أو كأدوات في تنفيذ عمليات إرهابية.
التمويل والطرق الخفية
لم تكن نجلاء محمود تعمل بمفردها، بل كشفت التحقيقات عن شبكة كاملة كانت تتعاون معها، من ضمنها عناصر تتولى نقل الأموال من خارج البلاد إلى داخلها لتمويل هذه العمليات الإجرامية. التحريات الأمنية كشفت أن المتهمة كانت تتلقى مبالغ ضخمة من قادة تنظيم داعش مقابل كل فتاة تجندها، وأنها كانت تنفق جزءًا من هذه الأموال على حفلات زواج سرية، تُعقد بعيدًا عن الأعين وفي أماكن معزولة تمامًا.
كانت نجلاء تدير نشاطها الإرهابي بذكاء شديد، حيث اعتمدت بشكل أساسي على وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد الفتيات ونشر الأفكار المتطرفة. كما كانت تتردد على تجمعات دينية مشبوهة لتقديم نفسها كناصحة تسعى لإصلاح المجتمع، بينما كان هدفها الحقيقي هو تضليل العقول الضعيفة واستدراجها إلى طريق الهلاك.
بداية السقوط.. الخيط الأول
انطلقت خيوط القضية حين لاحظت الأجهزة الأمنية المصرية أنشطة غير طبيعية في بعض القرى بمحافظة المنيا. لاحظت التحريات اختفاء بعض الفتيات الصغيرات دون أسباب واضحة، وبدأت الأسئلة تتزايد حول مصيرهن.
من خلال رصد دقيق لتحركات نجلاء محمود واتصالاتها الهاتفية، تمكنت الأجهزة الأمنية من اكتشاف شبكة خطيرة تتولى استقطاب الفتيات وتزويجهن لعناصر التنظيم الإرهابي. كما تم الكشف عن تمويلات مباشرة كانت تصل للمتهمة من قيادات التنظيم في الداخل والخارج، لتنفيذ مخططاتها التي تضرب الأمن القومي المصري.
بفضل الجهود الأمنية الكبيرة، أُلقي القبض على نجلاء بعد مراقبة دقيقة لتحركاتها، حيث تم ضبط أدلة دامغة تؤكد تورطها في إدارة شبكة لتمويل الإرهاب وتجنيد الفتيات.
تفاصيل المحاكمة وأقوال الشهود
في قاعة المحكمة، أدلى الشهود بتفاصيل تقشعر لها الأبدان، حيث أكدوا أن نجلاء محمود كانت تتجول في القرى الريفية بشكل مريب، مستغلة ضعف الوعي لدى بعض الأسر لإقناعهم بتزويج بناتهم إلى رجال ينتمون إلى تنظيم داعش الإرهابي.
كما استعرضت النيابة العامة أدلة رقمية قوية تتضمن تسجيلات واتصالات تؤكد تواصل نجلاء مع قيادات داعشية، وقيامها بتوزيع أموال وأسلحة على عناصر التنظيم لتنفيذ عمليات إرهابية.
بحسب ما جاء في أمر الإحالة، فإن التنظيم الذي كانت نجلاء جزءًا منه، تورط في جرائم عديدة، منهاقتل مواطن مصري عمدًا مع سبق الإصرار والترصد و الشروع في قتل 27 مواطنًا آخر باستخدام الأسلحة النارية. ونشر الفوضى وتعطيل مؤسسات الدولة.
الحكم الحاسم.. رسالة قاطعة ضد الإرهاب
أصدرت المحكمة برئاسة المستشار حمادة الصاوي، وعضوية المستشارين محمد عمار، ورأفت زكي، والدكتور علي عمارة، حكمها بمعاقبة المتهمة نجلاء محمود بالسجن المشدد لمدة 15 عامًا، مع إدراجها على قوائم الكيانات الإرهابية.
كما جاء في الحكم قرار حاسم بإغلاق مقار تنظيم «داعش ولاية سيناء» داخل البلاد وخارجها، ليؤكد عزم الدولة على التصدي بكل قوة لكافة أشكال الإرهاب ومموليه.
هذا الحكم القاطع بعث رسالة قوية إلى كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن الوطن، مفادها أن مصر لن تسمح بعودة هذه الجماعات الظلامية مرة أخرى، وأن كل من تسوّل له نفسه التلاعب بعقول الشباب أو استغلالهم سيواجه مصيرًا مشابهًا.
نهاية الإرهاب في قفص العدالة
قضية نجلاء محمود ليست مجرد قضية فردية؛ بل هي انعكاس لخطط خبيثة تسعى الجماعات الإرهابية من خلالها إلى اختراق المجتمعات الآمنة وزرع أفكارها المسمومة. لكنها أيضًا دليل على يقظة الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية التي تعمل على حماية البلاد من مخاطر هذه التنظيمات.
لقد سقطت نجلاء محمود ومعها أحلام الظلاميين في استغلال بنات مصر، ويبقى هذا الحكم شاهدًا على إصرار الدولة على اجتثاث جذور الإرهاب، وحماية كل فتاة مصرية من براثن الاستغلال والعنف.