في تطور مثير يعكس تعقيدات المشهد السوري وتداعياته على الجنوب السوري، طالب وجهاء بعض القرى الدرزية في الجنوب السوري جيش الاحتلال الإسرائيلي بضم مناطقهم إلى الجولان المحتل، والعيش تحت الحكم الإسرائيلي، بدلًا من التعامل مع الحكومة السورية الجديدة أو أي من الأطراف المتنازعة على السلطة. يأتي هذا التحرك عقب تصاعد الأوضاع الأمنية، في ظل انتشار مسلحي تنظيم داعش في مناطق سورية، وما خلفه ذلك من حالة من الخوف والفوضى لدى الأهالي.
تصاعد الفوضى وتهديدات داعش
شهدت مناطق الجنوب السوري، وبخاصة القرى التي يقطنها أبناء الطائفة الدرزية، تصاعدًا في العمليات الإرهابية من قبل عناصر تنظيم داعش. فقد أدت هذه العمليات إلى وقوع العديد من الضحايا المدنيين وتهجير السكان، إضافة إلى تدمير البنية التحتية المحلية. ويتهم الأهالي أطرافًا عدة، من بينها الحكومة السورية، بالتقاعس عن توفير الحماية اللازمة لهم وتركهم فريسة للفراغ الأمني الذي سمح لداعش بإعادة تنظيم صفوفه في المنطقة.
أمام هذا الواقع الكارثي، وجد أبناء الطائفة الدرزية أنفسهم بين مطرقة التنظيمات الإرهابية التي تهدد حياتهم بشكل مباشر، وسندان غياب حكومة مركزية قادرة على ضبط الأمن وحماية الأقليات في المناطق الجنوبية.
نداء لضمهم إلى الجولان
في خطوة غير مسبوقة، خرج وجهاء من بعض قرى الدروز في الجنوب السوري بتصريحات مثيرة، طالبوا فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي بضم مناطقهم إلى الجولان المحتل. وأشار هؤلاء الوجهاء إلى أن العيش تحت الحكم الإسرائيلي أصبح خيارًا أفضل، بالنظر إلى ما يعانونه من تهديدات أمنية متكررة وفشل أي من الأطراف المتنازعة على السلطة في توفير بدائل تحمي أمنهم واستقرارهم.
وأكد بعض الوجهاء في تصريحاتهم أن الظروف الراهنة دفعتهم إلى التفكير خارج المألوف، حيث أشاروا إلى “غياب أي أفق حقيقي لتحقيق الأمن والاستقرار”، وأن الوضع الحالي قد يجعل من العيش تحت الحكم الإسرائيلي حلًا “عمليًا” لضمان الحماية من تهديدات الإرهاب والفوضى.
ردود الأفعال على التصريحات
أثارت هذه المطالب ردود أفعال متباينة على الساحة السياسية الإقليمية والدولية. فمن جهة، تنظر إسرائيل إلى هذه التطورات على أنها فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة الجنوبية لسوريا، خاصة مع استمرار حالة عدم الاستقرار. ومن جهة أخرى، ترى أطراف عديدة أن هذه التصريحات تعكس حجم اليأس الذي وصل إليه السكان في ظل غياب الحماية وتهديد داعش المستمر.
الحكومة السورية، من جانبها، لم تصدر ردود فعل رسمية حتى الآن، إلا أن مصادر مقربة من دمشق أكدت أن هذه الخطوة “مرفوضة تمامًا” وأن أي محاولات للانفصال عن الأراضي السورية لن يتم السكوت عنها.
في المقابل، يتوقع مراقبون أن تسعى الأطراف الإقليمية والدولية إلى احتواء الوضع، تجنبًا لحدوث تصعيد جديد قد يزيد من تعقيد الأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من عقد.
دلالات المطالب وتأثيرها على مستقبل الجنوب السوري
تعكس هذه الخطوة غير المسبوقة الانقسام العميق الذي تشهده سوريا اليوم، حيث فقدت العديد من الأطراف المجتمعية الثقة في قدرة الحكومات المركزية أو القوى السياسية على حمايتها من التنظيمات الإرهابية. كما تُظهر المطالب الدرزية حجم التأثير المباشر للفوضى الأمنية على الأقليات، الذين يشعرون بأنهم الحلقة الأضعف في ظل تصاعد العمليات المسلحة.
ويرى خبراء أن التطورات الأخيرة قد تشكل تهديدًا لمستقبل الوحدة الجغرافية والسياسية لسوريا، خاصة إذا ما زادت وتيرة المطالب المشابهة من مجتمعات أخرى تعاني من أوضاع مماثلة.
خاتمة: أزمة الجنوب السوري على مفترق طرق
في الوقت الذي يواصل فيه تنظيم داعش نشر الفوضى والخوف في مناطق واسعة من سوريا، تجد الأقليات، وعلى رأسهم أبناء الطائفة الدرزية في الجنوب السوري، أنفسهم في مواجهة مصير مجهول. وتبقى المطالبة بالضم إلى الجولان المحتل مؤشرًا خطيرًا على حجم اليأس وانعدام الثقة بالحكومات والسلطات القائمة.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح الأطراف الدولية والإقليمية في احتواء الوضع قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة؟ أم أن الجنوب السوري سيشهد تحولات تُعيد رسم خارطة الصراع في المنطقة؟