منذ ثورة 30 يونيو 2013، خاضت مصر معركة شاقة ضد الإرهاب الأسود الذي اجتاح أراضيها بعد أن استغل جماعة الإخوان المسلمين فترة حكمهم لتجميع أكبر عدد من الإرهابيين في سيناء، وتحويلها إلى ساحة قتال ضد الدولة المصرية. ولكن الشعب المصري، الذي عانى من ويلات الإرهاب، صمد بكل قوة، وكانت القوات المسلحة والشرطة في خط المواجهة الأول ضد هذه الهجمات الوحشية، مُقدمةً العديد من الشهداء والجرحى. هذه المعركة لم تكن فقط ضد تنظيمات إرهابية بل ضد مخططات خارجية تهدف إلى نشر الفوضى وزعزعة استقرار مصر.
مصر، التي قدّمت نصف مليون شهيد وجريح في حربها ضد الإرهاب، أثبتت للعالم أن مكافحة الإرهاب ليست قضية محلية فحسب، بل قضية عالمية تمس استقرار المنطقة بأسرها. ورغم أن العديد من الدول أشادت بمصر على دورها البطولي في مكافحة الإرهاب، إلا أن الصورة لم تكن مكتملة. فقد كان هناك قوى إقليمية تعمل في الخفاء على دعم هذا الإرهاب، وعلى رأسها تركيا وقطر، اللتين قدّمتا الدعم المالي والعسكري للجماعات الإرهابية، بل ووفرتا لهم غطاء إعلامي دولي لتبرير مواقفهم.
في الوقت الذي كانت فيه مصر تصدّ الهجمات الإرهابية التي كانت تستهدف المدنيين والجنود على حد سواء، كانت تركيا وقطر تغذيان الإرهاب في المنطقة، مما جعل هذه الدول تُعدّ مصدرًا جديدًا للتهديدات الأمنية في الشرق الأوسط. هذا الدعم لم يقتصر على المال والسلاح فحسب، بل شمل أيضًا تسهيل حركة الإرهابيين وتوفير ملاذات آمنة لهم على أراضيهم، بالإضافة إلى استخدامها للأدوات الإعلامية لتشويه صورة الدول التي تحارب الإرهاب، وفي مقدمتها مصر. وكان الغطاء الإعلامي الذي تقدمه وسائل إعلامية تابعة لهاتين الدولتين بمثابة تسويغ لهذا الإرهاب وتحويله إلى “مقاومة” في مواجهة الأنظمة الحاكمة.
وتتجلى هذه الحقيقة اليوم في الوضع المتدهور في سوريا. فبعد سنوات من الحرب الأهلية، دخلت البلاد في مرحلة جديدة من الفوضى، حيث تسيطر الجماعات الإرهابية على العديد من المناطق، مُعززةً بمساعدات مباشرة وغير مباشرة من دول مثل تركيا وقطر. ومنذ أن سافر الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا، كان من الواضح أن الأرض السورية قد أصبحت ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، حيث عملت بعض القوى الإقليمية على دعم الجماعات المسلحة، مما سمح لها بالسيطرة على أراضٍ جديدة، وباتت هذه الجماعات الآن تهدد بقاء الدولة السورية ذاتها.
إن سيطرة هذه الجماعات على الحكم في بعض المناطق السورية يعكس مدى نجاح تركيا وقطر في زرع الإرهاب مجددًا في المنطقة، بعد أن نجحت مصر في القضاء عليه على أراضيها. هذه الجماعات، التي كانت في السابق تعمل بشكل متناثر، أصبحت الآن مهيمنة في مناطق واسعة، محققة أهدافًا كانت تستهدفها منذ سنوات. ومن جهة أخرى، تقف مصر التي صمدت ضد كل هذه الموجات الإرهابية، تشهد على تحول سوريا إلى “ملاذ جديد” للتهديدات الإرهابية، مستعينة بالمال والسلاح والإعلام، مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي.
إن هذه الحالة تؤكد أن مصر، التي قدّمت تضحيات جمة في معركة الإرهاب، لا تزال تُحارب الإرهاب ليس فقط داخل حدودها، بل على مستوى المنطقة بأسرها. وتكمن المفارقة في أن الدول التي دعمت هذا الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر هي نفسها التي تروج له إعلامياً وتستغله لأغراض سياسية. بينما تستمر مصر في محاربة هذه الآفة، تزداد المخاوف من أن هذه القوى الإقليمية قد تصبح المصدر الجديد لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ما يجعل الحرب على الإرهاب مسألة معقدة ومتعددة الأبعاد.
وبينما تواجه مصر هذا الخطر المتزايد، فإن دورها في محاربة الإرهاب لا يمكن التقليل من أهميته، فهي تمثل جدار الصد الأول ضد تلك التنظيمات المتطرفة، بل إنها تمثل المثل الأعلى للعديد من الدول التي تدرك حجم التهديدات التي تواجهها. ومع ذلك، فإن الوضع في سوريا يُظهر أن الإرهاب ليس مجرد تهديد محلي أو إقليمي، بل هو تهديد عالمي يتطلب من كافة الدول التعاون بصدق وشفافية لمواجهة هذه الظاهرة التي تتغذى على دعم بعض القوى الإقليمية.
إن تكرار تجارب دعم الإرهاب، كما حدث في سوريا، يُظهر أن المنطقة لن تشهد استقرارًا طالما أن بعض القوى الإقليمية تواصل دعم هذه الجماعات المسلحة، وهو ما يهدد بتحويل المنطقة إلى ساحة مفتوحة للفوضى والتدمير. ومن هنا، يصبح من الضروري أن تلتزم الدول الكبرى والمجتمع الدولي بموقف حاسم ضد الدول التي تُعدّ مراكز دعم للإرهاب، وتعمل على تجفيف منابع تمويله، لتفادي مزيد من التأزيم الإقليمي.
ختامًا، تظل مصر ثابتة في موقفها، مدافعة عن أمنها واستقرارها، ولها دور محوري في التصدي للإرهاب على مستوى العالم. ولكن، لا يمكن لمصر وحدها أن تحمل عبء هذه الحرب وحدها، بل يجب على العالم أن يتوحد من أجل مواجهة هذا الخطر الذي بات يهدد مستقبل المنطقة بأسرها.