ادّعى قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، في منشور له على منصة إكس، أن معركتهم ضد نظام بشار الأسد تمت “بسلاح محلي الصنع وبدعم مادي ذاتي”، وأن تلك المواجهة “أنقذت سوريا والمنطقة من تهديد وجودي كان سيؤدي إلى تقسيمها”. يمكن تفكيك هذا الخطاب ودحضه على أكثر من مستوى.
يتناقض تصريح الجولاني مع الحقائق التي تشير إلى أن تنظيمه، سواء تحت مسمى جبهة النصرة أو بعد تحوله إلى هيئة تحرير الشام، اعتمد على تمويلات خارجية من دول وأطراف إقليمية دعمت الجماعات المتطرفة لتحقيق أجنداتها السياسية. تشير تقارير أممية إلى أن الأسلحة التي استخدمتها التنظيمات المتشددة لم تكن محلية الصنع، بل جاءت عبر تهريب السلاح عبر الحدود أو من خلال الاستيلاء على مخازن الجيش السوري والعراقي. كما أن مصادر تمويل هيئة تحرير الشام اعتمدت بشكل كبير على عائدات النفط، والضرائب، وابتزاز السكان في مناطق سيطرتها، وهو أمر يتنافى مع ادعاء “الدعم الذاتي”.
بينما يزعم الجولاني أنه “أنقذ سوريا من التقسيم”، نجد أن دخول التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها جبهة النصرة، أدى إلى زيادة حدة الصراع وتعقيده. ساهمت تلك الجماعات في تقويض المعارضة الوطنية السورية وخلقت انقسامات داخلية بين الفصائل، مما أضعف قدرتها على مواجهة النظام. كذلك، فإن سيطرة التنظيمات المتطرفة على مناطق معينة وفرضها فكرًا دينيًا متشددًا قد عزز النزعات الانفصالية في بعض المناطق السورية.
رغم ادعائه أن المعركة أنقذت المنطقة، لعب تنظيمه دورًا كبيرًا في تدمير سوريا. اقتصاديًا، من خلال سيطرتهم على مناطق غنية بالموارد، مثل حقول النفط، حوّلها إلى مصدر تمويل خاص عبر عمليات التهريب. اجتماعيًا، فرض الفكر المتطرف على السكان أدى إلى نزوح جماعي وتشريد الملايين من السوريين، خصوصًا الأقليات الدينية والعرقية، الذين عانوا من الاضطهاد.
تصريحات الجولاني تندرج ضمن استراتيجية إعلامية تهدف إلى تجميل صورة التنظيم بعد خسائره العسكرية ومحاولة تقديم نفسه كقوة “ثورية” وطنية. كما يسعى من خلال تلك التصريحات إلى فك الارتباط بتنظيم القاعدة، الذي ظل يلاحقه منذ تأسيس جبهة النصرة، ليبدو كتنظيم معتدل يسعى لمصلحة سوريا. كذلك يحاول إعادة جذب الدعم المحلي عبر خطاب شعبوي يزعم محاربة التقسيم وحماية البلاد من التهديدات الخارجية. لكن هذه المحاولات لا تخفي جرائم هيئة تحرير الشام التي تسببت في سفك دماء السوريين وزيادة حدة الصراع الإقليمي.
تصريحات الجولاني محاولة واضحة لتزييف الوقائع وإعادة كتابة تاريخ جماعته، التي كان لها دور أساسي في إطالة أمد الحرب السورية وتعقيدها. فادعاء الاعتماد على الذات وإنقاذ سوريا من التقسيم يتناقض مع الدور التخريبي لتنظيمه، الذي شكل عاملًا رئيسيًا في تدمير البلاد اقتصاديًا واجتماعيًا، وجلب التدخلات الخارجية. هذا الخطاب، وإن بدا جذّابًا للبعض، يظل محاولة دعائية هدفها تلميع الصورة بعد سنوات من الانتهاكات والدمار.