بقلم – صموئيل العشاي :
في خطوة أثارت استغرابًا واسعًا، أعلنت مجموعة دول السبع الكبرى (G7) استعدادها لدعم “حكومة سورية جديدة” بقيادة تنظيم “داعش”، بشرط احترام حقوق الأقليات. هذا الطرح يعكس فهمًا مشوهًا للوضع السوري الحقيقي، إذ كيف يمكن لتنظيم متطرف لا يعترف إلا بنفسه، أن يحترم حقوق الآخرين؟ إن تجاهل التركيبة السكانية والدينية المعقدة لسوريا يُعد خطأً فادحًا، خاصة إذا ما نظرنا لرؤية داعش العدائية تجاه كل الطوائف والمكونات السورية.
المسلمون السنة: الأغلبية المحاصرة
رغم أنهم يشكلون حوالي 50% من سكان سوريا، إلا أن السنة كانوا أول من عانوا من بطش داعش. ينتشرون في معظم المدن السورية مثل دمشق، حلب، حمص، وحماة، ويمثلون النسيج الاجتماعي الأكبر للبلاد.
ورغم قربهم الديني من التنظيم ظاهريًا، إلا أن داعش انتهج معهم سياسة التكفير والإقصاء. كل من رفض الانضمام إليه أو خالف أيديولوجيته المتشددة وُصف بأنه “مرتد” أو “طاغوت”.
قُتل آلاف السنة على يد التنظيم، وشهدت مناطقهم دمارًا هائلًا، حيث حوّل داعش المدن السنية إلى ساحات حرب وأجبرهم على الخضوع بالقوة والتهديد.
العلويون: استهداف ممنهج لإقصاء “الطائفة الحاكمة”
يُشكل العلويون حوالي 20% من سكان سوريا، ويتمركزون بشكل رئيسي في مناطق الساحل السوري، مثل اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى جبال العلويين. نظرًا لاعتبارهم طائفة ذات صلة بالسلطة السورية، كان العلويون هدفًا مباشرًا لتنظيم داعش.
صنّفهم التنظيم كـ “كفار” يجب استئصالهم، وشن عمليات عسكرية عنيفة ضد مناطقهم، بهدف القضاء على وجودهم السياسي والاجتماعي. مناطق العلويين كانت ساحة لعدة مجازر نفذها داعش في إطار صراعه الدموي.
المسيحيون: من حماية التعايش إلى استهداف الهوية
بلغت نسبة المسيحيين في سوريا قبل الأزمة نحو 10-15%، وهم جزء أصيل من النسيج الاجتماعي السوري، يتوزعون على طوائف متعددة مثل الروم الأرثوذكس، السريان، الأرمن، الكاثوليك، والبروتستانت، ويتمركزون في مدن دمشق، حلب، حمص، واللاذقية.
تعامل داعش مع المسيحيين على أنهم “أهل ذمة”، وأجبرهم على دفع “الجزية” أو الرحيل. كما هدم كنائسهم ودور عبادتهم، ودمر مناطقهم في إطار سياسة تدمير الرموز الدينية. كانت مدينة الرقة مثالًا بارزًا على فظائع داعش، حيث استُهدفت كنائسها وأحياؤها بشكل منهجي.
الدروز: مشركون في نظر التطرف
يُشكل الدروز حوالي 4-5% من سكان سوريا، ويتمركزون في منطقة جبل العرب بمحافظة السويداء جنوب سوريا. نظر إليهم تنظيم داعش كـ “مشركين” يجب القضاء عليهم، فأطلق عليهم تهديدات صريحة تطالبهم بـ “اعتناق الإسلام وفق رؤيته المتشددة” أو الموت.
تعرضت مناطق الدروز لاعتداءات وعمليات تهجير قسرية، حيث مارس التنظيم ضغوطًا هائلة على هذه الطائفة وحاول تقويض وجودها في جنوب البلاد.
الشيعة والإسماعيليون: هدف للعنف الطائفي
يُشكل الشيعة، بما في ذلك الإسماعيليون، نحو 5-6% من سكان سوريا، ويتمركزون في مناطق مثل ريف دمشق، بلدات نُبّل والزهراء في حلب، وسَلَمية في حماة.
اعتبرهم داعش “روافض” وخارجين عن الدين، ما جعله يستهدفهم بعنف غير مسبوق. دُمرت مساجدهم وتعرضت مناطقهم لمجازر مروعة، حيث مارس التنظيم القتل والتهجير القسري بحقهم ضمن حملات طائفية واضحة.
الإيزيديون: إبادة ممنهجة وتشريد مستمر
الإيزيديون، الذين يُمثلون نسبة صغيرة في سوريا، يتواجدون شمال البلاد في الحسكة وعفرين. كان تعامل داعش مع هذه الأقلية الأكثر وحشية، إذ وصفهم بأنهم “عبدة الشيطان”، وشنّ ضدهم حملات إبادة جماعية.
تعرض الإيزيديون في سوريا، كما في العراق، لجرائم لا تُغتفر؛ اختُطفت نساؤهم وبِيعن في أسواق النخاسة، وارتكبت بحقهم فظائع إنسانية موثقة.
اليهود: غياب مع استهداف رمزي
رغم أن اليهود يُمثلون حوالي 1-2% من سكان سوريا تاريخيًا، إلا أن معظمهم غادروا البلاد قبل عقود. مع ذلك، استغل تنظيم داعش الخطاب المعادي للسامية ليُعلن عن نواياه باستهداف “اليهود”، مُستخدمًا رموزهم كشعارات في دعايته السياسية.
الصابئة المندائيون: أقلية منسية
تُعد الصابئة المندائيون أقلية ضئيلة جدًا في شمال شرق سوريا، خاصة في الحسكة ودير الزور. تعرضوا لتهديد دائم بالقتل من داعش، الذي صنفهم “كفارًا” خارجين عن كل الأديان الإبراهيمية التي يدّعي التنظيم تمثيلها.
رؤية داعش: القتل والتكفير في مواجهة التنوع
منذ صعوده، اعتمد تنظيم داعش على سياسة التكفير العشوائي ضد كل من خالف رؤيته، سواء كانوا سنة، علويين، مسيحيين، دروز، شيعة، أو إيزيديين. لم يترك داعش طائفة إلا وأصدر ضدها فتاوى الموت والتهجير، ما أدى إلى تشريد الملايين، وتقويض قرون من التعايش بين الأديان في سوريا.
إدانة مجموعة السبع: تواطؤ أم جهل؟
إن إعلان مجموعة السبع دعم “حكومة جديدة” تقودها داعش، بشرط احترام حقوق الأقليات، يُعد تناقضًا فجًا ومهزلة سياسية. هل يُعقل أن تنظيمًا مارس القتل ضد السنة والعلويين والمسيحيين والدروز والإيزيديين يُمكنه احترام أي حقوق؟
إن مجموعة السبع بطرحها هذا، لا تُغفل فقط جرائم داعش، بل تُمنحه غطاءً سياسيًا قد يؤدي إلى إعادة إنتاج مأساة جديدة بحق الشعب السوري.
خاتمة:
إن أي دعم لتنظيمات متطرفة كهذه، تحت مسميات “احترام الأقليات”، ليس سوى كارثة إنسانية جديدة تُضاف إلى سجل الصراعات السورية. يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ موقفًا واضحًا ضد التطرف، وألا يقع في فخ التلاعب بالحقوق لتحقيق مصالح سياسية آنية، لأن التاريخ لن يرحم من ساهموا في تمزيق ما تبقى من نسيج سوريا المتنوع.