بقلم – صموئيل العشاي:
في الساعات الأخيرة، باتت سوريا تحت قبضة الجماعات الإرهابية، في سيناريو يبدو أنه جرى بترتيب أميركي كامل وبتنسيق مسبق بين عدة أطراف إقليمية ودولية. خلال الهدنة الأخيرة في لبنان، والتي عُقدت في أجواء تواصل مباشر وغير معلن بين إسرائيل، وتركيا، والسعودية، تم الاتفاق على إعادة إنتاج تجربة الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ولكن هذه المرة في سوريا. وكما انسحبت القوات الأميركية من أفغانستان تاركةً وراءها كميات ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية، لتسقط لاحقًا في أيدي حركة طالبان التي استولت على الحكم، جرى العمل على تطبيق ذات السيناريو بحذافيره في سوريا.
المخابرات الأميركية، التي صاغت سيناريو أفغانستان، رتبت بعناية تكرار التجربة السورية، ليصبح الحكم فيها خاضعًا لجماعات متطرفة مثل جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وغيرها من المسميات المتطرفه، في خطوة ترمي إلى إعادة البلاد إلى مائتي عام إلى الوراء على المستوى الثقافي، والحضاري، والسياسي.
اليوم، كما حُكمت أفغانستان بجماعة طالبان التي تراجعت بالبلاد إلى أزمنة مظلمة بفعل سيطرتها، خُطط لسوريا أن تشهد المصير ذاته تحت راية النصرة والاخوان . إن السبب العميق وراء هذا التحوّل الجذري يكمن في الأزمة الاقتصادية الأميركية الخانقة. فالوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الولايات المتحدة دفع قادتها إلى إعادة النظر في التزاماتهم الدولية. وتماشياً مع دعوات بعض المفكرين الأميركيين لتقليل الإنفاق العسكري الخارجي، اتجهت الإدارة الأميركية إلى تبنّي استراتيجيات “الانسحاب التكتيكي” من مناطق النزاع وتسليم السلطة إلى جماعات متطرفة، حتى لو شكّلت هذه الجماعات لاحقًا مصدر تهديد.
ما حدث في أفغانستان تكرر بحذافيره في سوريا: انسحاب مخطط، تسليم متعمد للأسلحة والمعدات، وصعود لجماعات إرهابية قادرة على إعادة البلاد إلى عصور الظلام. ولكن ما الأسباب العميقة التي أدت إلى هذا الانهيار العسكري والسياسي في كلتا الحالتين؟
فيما يلي نحلل عشرة أسباب رئيسية تُفسر هذا السيناريو الخطير.
اولا : سياسة “الفراغ الاستراتيجي” التي تتبعها الولايات المتحدة
من أبرز أسباب ما حدث في أفغانستان وسوريا هو سياسة “الفراغ الاستراتيجي” التي تنتهجها الولايات المتحدة في مناطق النزاع. هذه السياسة تتمثل في انسحاب القوات العسكرية بشكل مفاجئ وترك فراغ أمني كبير دون دعم حقيقي للحكومات المحلية أو تأمين البديل المناسب، مما يخلق بيئة خصبة لظهور الجماعات الدينيه المسلحة.
في أفغانستان، انسحبت الولايات المتحدة سريعًا، تاركة وراءها ترسانة ضخمة من المعدات العسكرية والأسلحة المتطورة التي استولت عليها طالبان. لم يُترك هناك أي أساس أمني محكم يعزز بقاء حكومة مستقرة، فأصبحت البلاد فريسة سهلة لاستعادة نفوذ القوى المتطرفة.
في سوريا، الوضع مختلف نسبيًا لكن الاستراتيجية ذاتها تظهر بوضوح. حين أردات الولايات المتحدة معاقبة روسيا علي دعمها للجماعات المتطرفة ضد اسرائيل ، وهو الأمر الذي جعل روسيا تنسحب ، وبدأت القوى المتصارعة بالتناحر، انهار الجيش السوري تدريجيًا، في مناطق الشمال والشرق، تاركًا المجال لجماعات مسلحة تسير بفكر داعش لتسيطر على الأرض. هذا “الفراغ” لم يحدث مصادفة؛ بل هو نتيجة الانسحاب الروسي واللامبالاة الدولية بمصير البلاد.
النتيجة واحدة في كلا الحالتين: سقوط الحكومات المركزية أو ضعفها وترك الساحة مفتوحة أمام جماعات تتبنى الفكر المتطرف. هذه السياسة خلقت نموذجًا للفوضى يمكن أن يتكرر في أي دولة تشهد ظروفًا مشابهة، حيث يصبح الانسحاب الأميركي أشبه بتسليم غير مباشر للمتطرفين.
ثانيا : استراتيجية “حروب الوكلاء” وترك الساحة للفصائل المسلحة
من بين الأسباب الرئيسة لتبخر القوات النظامية في أفغانستان وسوريا هو اتباع القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لاستراتيجية “حروب الوكلاء” (Proxy Wars). هذه الاستراتيجية تقوم على تجنب التورط المباشر في المعارك عبر إحلال قوى محلية أو جماعات مسلحة كأدوات للسيطرة والنفوذ بدلاً من الجيوش النظامية.
في أفغانستان، ومع تراجع الحضور الأمريكي العسكري، تركت الولايات المتحدة الساحة لطالبان بعد عقدين من القتال، سواء بشكل مباشر أو نتيجة صفقات سياسية مضمرة. عوضًا عن تمكين الجيش الأفغاني وتجهيزه للبقاء كقوة فاعلة، كان هناك تخلي واضح عن دعمه الفعلي. هذا النهج أدى إلى انهيار مفاجئ للقوات النظامية، وملء الفراغ سريعًا من قِبل جماعات متشددة مدعومة بفكر القاعدة.
في سوريا، كان الوضع أعقد، إذ تخلت الأطراف الدولية عن دعم الجيش السوري بطرق مختلفة وسمحت بظهور الميليشيات المسلحة كأدوات لتنفيذ أجندات إقليمية ودولية. بدأت الفصائل المسلحة التي تحمل فكر داعش والنصرة تتوسع وتستولي على المناطق تدريجيًا، بينما تراجع الجيش السوري بفعل الحصار والعقوبات والانشقاقات الداخلية.
بهذه الطريقة، أصبح الجيش النظامي مُحاصرًا بين مطرقة القوى الدولية وسندان الجماعات المسلحة، وتم استنزافه عسكريًا واقتصاديًا. والنتيجة، كما في أفغانستان، أن الساحة أصبحت مفتوحة للفصائل ذات الأيديولوجيات المتطرفة التي فرضت واقعًا جديدًا في مناطق السيطرة، بينما القوى الكبرى تراقب من بعيد.
ثالثا : الفساد الداخلي والضعف المؤسسي في الجيوش المحلية
واحد من العوامل الأساسية التي ساهمت في انهيار الجيش الأفغاني والجيش السوري أمام الجماعات المسلحة هو انتشار الفساد والضعف المؤسسي داخل هذه القوات النظامية. عندما تفقد المؤسسات العسكرية قوتها وعمودها الفقري، يسهل انهيارها أمام أي قوة خارجية أو جماعة مسلحة منظمة.
في أفغانستان، كان الفساد المالي والإداري داخل الجيش الأفغاني واضحًا منذ سنوات طويلة. تقارير متعددة كشفت عن سوء توزيع الموارد وتهريب الأسلحة وبيع المعدات العسكرية، بالإضافة إلى وجود “جنود وهميين” مسجلين على الورق فقط من أجل الحصول على الرواتب. هذه الممارسات جعلت الجيش الأفغاني هشًا من الداخل، غير قادر على الصمود عند انسحاب القوات الأمريكية.
الوضع لم يختلف كثيرًا في سوريا؛ حيث تعرض الجيش السوري لاستنزاف شديد نتيجة سنوات الحرب الطويلة والانقسامات الداخلية. كما تسببت الأوضاع الاقتصادية السيئة والفساد في إضعاف قدراته القتالية وتجهيزه اللوجستي، مما سهّل على الجماعات المسلحة، التي تتلقى دعمًا خارجيًا كبيرًا، التقدم والسيطرة على مناطق واسعة.
إلى جانب ذلك، ضعف الحافز لدى الجنود النظاميين، الذين افتقدوا الثقة بقياداتهم وبمستقبل بلادهم، جعلهم يستسلمون بسهولة أو يفرّون من المعارك، بينما تتمتع الجماعات المسلحة بإيمان أيديولوجي وحافز كبير. هكذا، كان الفساد الداخلي عاملاً رئيسيًا في تفكك الجيشين أمام قوى أكثر تنظيمًا.
رابعا : الدعم الخارجي للجماعات المسلحة كوسيلة لفرض النفوذ
في كلا الحالتين، سواء في أفغانستان أو سوريا، لعب الدعم الخارجي للجماعات المسلحة دورًا حاسمًا في ترجيح كفتها على حساب القوات النظامية. القوى الإقليمية والدولية قامت بتمويل وتسليح هذه الجماعات، إمّا لتحقيق مصالحها أو لإضعاف الأنظمة الحاكمة.
في أفغانستان، لم يقتصر دعم الجماعات المتطرفة على مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، بل امتد لعقود طويلة منذ الحرب الباردة. دعمت الولايات المتحدة تنظيمات إسلامية متشددة في مواجهة الاتحاد السوفيتي، وعلى رأسها القاعدة، التي تحولت لاحقًا إلى تهديد عالمي.
في سوريا، تعاظم دور الجماعات المسلحة بفضل الدعم المالي والعسكري الذي تلقته من دول إقليمية ودولية. شحنات الأسلحة والأموال، إلى جانب الدعم اللوجستي والاستخباراتي، ساهمت في بناء قدرات هذه الجماعات، مما أتاح لها التفوق على الجيش السوري في عدة مناطق.
هذا التدخل الخارجي لم يكن بريئًا؛ فالقوى الكبرى تسعى لإعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري وفق مصالحها، حتى لو كان الثمن هو تسليم مناطق بأكملها لجماعات تحمل أفكارًا متطرفة كداعش. بينما الجيش النظامي يُحاصر دوليًا ويُمنع من الحصول على الدعم اللازم، تصبح الغلبة في النهاية للطرف الأقوى تسليحًا وتمويلًا، بغض النظر عن أيديولوجيته.
خامسا : الاستنزاف العسكري والاقتصادي بفعل الحروب الطويلة
من الأسباب الجوهرية التي أدت إلى انهيار القوات النظامية في كل من أفغانستان وسوريا هو الاستنزاف العسكري والاقتصادي الناتج عن حروب طويلة الأمد. عندما تستمر المواجهات لسنوات دون حسم، تتآكل قدرات الجيوش النظامية وتضعف بنيتها الأساسية، مما يسهّل انقضاض الجماعات المسلحة الأكثر مرونة وتنظيمًا.
في أفغانستان، استمرت الحرب لما يقارب 20 عامًا، أثقلت خلالها كاهل الجيش الأفغاني. اعتمد الجيش بشكل كامل على الدعم الأمريكي، سواء في التدريب أو التسليح أو اللوجستيات. بمجرد انسحاب القوات الأمريكية، فقد الجيش الأفغاني مقومات بقائه، وانهارت معنوياته بسرعة. الجماعات المسلحة، كطالبان، كانت أكثر قدرة على التكيف مع الحرب الطويلة بفضل الدعم اللوجستي الخارجي وتمرسها في حرب العصابات.
في سوريا، تعرض الجيش السوري لاستنزاف شديد منذ اندلاع الحرب في 2011. خاض الجيش معارك على جبهات متعددة ضد فصائل مسلحة متنوعة، في وقت كانت فيه البلاد تعاني من انهيار اقتصادي وعقوبات دولية مشددة. لم يكن هناك إمداد عسكري كافٍ لتعويض الخسائر البشرية والمادية المستمرة. من ناحية أخرى، تمتعت الجماعات المسلحة بدعم خارجي سخي ومرونة تكتيكية مكنتها من المناورة واستنزاف الجيش تدريجيًا.
الحروب الطويلة ترهق الجيوش النظامية التي تحتاج إلى تمويل ضخم وتدريب مستمر وإمدادات مستدامة. بينما الجماعات المسلحة، بفضل تكتيكات حرب العصابات والدعم الخارجي، تصبح أكثر قدرة على فرض سيطرتها على الأرض، حتى لو كانت أقل عددًا وعتادًا.
سادسا : التضخيم الإعلامي لصورة الجماعات المسلحة ودورها النفسي
من الأسباب التي ساهمت في انهيار الجيش الأفغاني والسوري هو التضخيم الإعلامي الممنهج لقوة الجماعات المسلحة. استخدام قناة الجزيرة منصاتها المتعددة لدعم هذه الجماعات للدعاية الإعلامية كان له تأثير نفسي مدمر على القوات النظامية، حيث أوجد حالة من الرعب وفقدان الثقة بقدرتها على المواجهة.
في أفغانستان، استخدمت طالبان وسائل إعلامية تقليدية وحديثة للترويج لانتصاراتها وتهويل قوتها العسكرية. مع انتشار أخبار سقوط المدن والقرى بيد طالبان، بدأت معنويات الجيش الأفغاني تتهاوى، خاصة أن الجنود كانوا يعانون بالفعل من ضعف التدريب وغياب الدعم اللوجستي. هكذا، سقطت مدن كبرى دون مقاومة تُذكر بسبب الحرب النفسية التي مارستها الجماعة.
في سوريا، لعبت الجماعات المسلحة المرتبطة بفكر داعش والنصرة دورًا مشابهًا. عبر إصدارات مرئية ودعائية مكثفة، استطاعت هذه الجماعات تصوير نفسها كقوة لا تُهزم. ترافق ذلك مع ارتكاب جرائم وحشية وتهويل قدراتها القتالية، مما أدى إلى بث الخوف في نفوس الجنود النظاميين والمدنيين على حد سواء.
التأثير النفسي للحرب الإعلامية قد يفوق أحيانًا تأثير القوة العسكرية المباشرة. الجنود، الذين يشعرون أنهم يواجهون عدوًا لا يُقهر، يتراجعون سريعًا، مما يسرّع من انهيار القوات النظامية دون قتال حقيقي. وهكذا، كانت الدعاية الإعلامية سلاحًا رئيسيًا في ترجيح كفة الجماعات المسلحة.
سابعا : غياب الدعم الشعبي عن الجيوش النظامية
من الأسباب التي لعبت دورًا حاسمًا في انهيار القوات النظامية في أفغانستان وسوريا هو ضعف أو غياب الدعم الشعبي لهذه الجيوش. عندما يفقد الجيش حاضنته الشعبية، يصبح معزولًا وضعيفًا، مما يسهل هزيمته أمام جماعات مسلحة تملك قاعدة شعبية ولو محدودة.
في أفغانستان، كان هناك استياء شعبي كبير من الحكومة المركزية التي دعمتها الولايات المتحدة، خاصة في المناطق الريفية. الفساد الإداري وضعف التنمية الاقتصادية خلق حالة من الغضب بين السكان، الذين وجدوا في طالبان بديلًا يضمن لهم الأمن والاستقرار ولو بالقوة. هذا الدعم الشعبي النسبي مكّن طالبان من التمدد بسرعة كبيرة بعد الانسحاب الأمريكي.
في سوريا، الوضع كان معقدًا، إذ أدى الانقسام الاجتماعي والسياسي إلى تراجع ثقة قطاعات كبيرة من الشعب بالجيش السوري. الفوضى التي نتجت عن الحرب، إلى جانب الضغوط الاقتصادية وتدخلات القوى الخارجية، جعلت بعض السكان يلجؤون إلى الجماعات المسلحة كقوة أمر واقع. حتى لو لم تكن هذه الجماعات تحظى بتأييد كامل، فإن غياب الثقة بالجيش النظامي ساهم في انكماش دوره.
الجيوش النظامية تعتمد بشكل أساسي على الحاضنة الشعبية كعامل معنوي واستراتيجي. عندما يختل هذا التوازن، يتراجع دورها لصالح جماعات مسلحة، حتى لو كانت أقل عتادًا وتنظيمًا.
ثامنا : التدخلات الدولية والصراع على النفوذ
الصراعات في أفغانستان وسوريا لم تكن محلية فقط؛ بل كانت ساحة لتدخلات دولية وصراع على النفوذ بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه التدخلات أضعفت الجيوش النظامية وخلقت بيئة فوضوية استغلتها الجماعات المسلحة لتوسيع نفوذها.
في أفغانستان، كان الصراع بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى. هذه الدول دعمت بشكل غير مباشر أو مباشر أطرافًا معينة لتحقيق مصالحها. الولايات المتحدة نفسها، التي تدخلت لمحاربة الإرهاب، تركت فراغًا ملأته طالبان عند انسحابها.
في سوريا، تحول الصراع إلى حرب بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية. الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران تدخلت في المشهد السوري، مما أدى إلى إضعاف الجيش السوري وتحويل البلاد إلى مناطق نفوذ متصارعة. الجماعات المسلحة التي تحمل فكر داعش استغلت هذه الفوضى لتعزيز قوتها وفرض سيطرتها على الأرض.
بهذه الطريقة، أصبحت الجيوش النظامية مجرد أداة في لعبة دولية أكبر، بينما كانت الجماعات المسلحة تتحرك بحرية بدعم مباشر أو عبر تجاهل القوى الكبرى لتمدّدها.
تاسعا : الاعتماد المفرط على الدعم الخارجي وضعف الاستقلال العسكري
أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى انهيار الجيش الأفغاني والسوري هو الاعتماد المفرط على القوى الخارجية في التمويل والتدريب والدعم العسكري، مما جعل القوات النظامية غير مستقلة وغير قادرة على الصمود عند انسحاب هذا الدعم.
في أفغانستان، بُني الجيش الأفغاني بالكامل تقريبًا على الدعم الأميركي، سواء من حيث التسليح أو التدريب أو حتى دفع الرواتب. بمجرد قرار الولايات المتحدة الانسحاب، انهار هذا النظام العسكري بسرعة، لأن البنية الأساسية كانت هشّة وتعتمد على المساندة الأجنبية. افتقار الجيش للأمن الذاتي والقدرة على الاعتماد على موارده الوطنية جعله عاجزًا أمام هجمات طالبان، التي كانت أكثر مرونة وتكيّفًا مع الوضع الجديد.
في سوريا، عانى الجيش السوري من ضغوط متزايدة بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية التي أضعفت إمداداته العسكرية واللوجستية. رغم الدعم المحدود من بعض الحلفاء، كان الجيش يعتمد على خطوط إمداد متأرجحة وغير مستقرة. في الوقت نفسه، الجماعات المسلحة، مثل داعش والنصرة، كانت تتلقى دعمًا مستمرًا من قوى إقليمية ودولية.
الاعتماد المفرط على القوى الخارجية يجعل الجيوش النظامية تفقد سيادتها ومرونتها في مواجهة الأزمات. بمجرد اختفاء الدعم الخارجي، تضعف المنظومة العسكرية وتتفكك أمام خصم أكثر قدرة على المناورة، حتى لو كانت موارده أقل.
عاشرا : الفراغ الأيديولوجي وغياب العقيدة القتالية الموحدة
من الأسباب الجوهرية لانهيار القوات النظامية في أفغانستان وسوريا هو غياب عقيدة قتالية موحدة وصلبة تربط أفراد الجيش بهدف واضح ودافع قوي للقتال. هذا الفراغ الأيديولوجي كان بمثابة نقطة ضعف خطيرة، استغلتها الجماعات المسلحة التي تمتلك رؤية عقائدية متشددة ولكن موحّدة.
في أفغانستان، كان الجيش الأفغاني يفتقد إلى الهوية الوطنية الصلبة التي تجمعه تحت راية موحدة. كثير من الجنود كانوا يقاتلون فقط للحصول على رواتبهم، بينما كان الدافع العقائدي عند طالبان أقوى بكثير. مقاتلو طالبان كانوا مؤمنين بأنهم يخوضون “حربًا مقدسة” ضد الاحتلال الأجنبي وحكومة يرونها “فاسدة”. هذا الإيمان جعلهم أكثر إصرارًا وثباتًا في المعارك، بينما تفككت معنويات الجيش الأفغاني بسرعة.
في سوريا، الجيش السوري واجه وضعًا مشابهًا. سنوات الحرب الطويلة والانقسامات الداخلية أثّرت على وحدة الجيش وعقيدته القتالية. في المقابل، الجماعات المسلحة المتطرفة، كداعش، اعتمدت على خطاب أيديولوجي متماسك استقطب آلاف المقاتلين محليًا ودوليًا. هذا الخطاب وفّر دافعًا قويًا لدى مقاتليها للاستمرار في القتال، حتى في أحلك الظروف.
غياب العقيدة القتالية القوية داخل الجيوش النظامية يجعلها عرضة للانهيار السريع عند مواجهة خصم يملك دافعًا أيديولوجيًا قويًا. العقيدة العسكرية ليست مجرد شعار؛ بل هي الرابط الذي يمنح الجيش تماسكه وقدرته على الصمود أمام التحديات الكبرى.
وفي النهاية
لقد أصبح واضحًا أن ما حدث في أفغانستان قد تكرر بحذافيره في سوريا، في مشهد يعكس سياسة أميركية ممنهجة تستند إلى الانسحاب المخطط وترك الساحة فارغة أمام الجماعات الإرهابية. انسحبت القوات الأميركية من أفغانستان بعد عقدين من الصراع، لتسقط الأسلحة والمعدات الثقيلة في أيدي حركة طالبان، مما أعاد البلاد إلى قرون مضت من التخلف الفكري والحضاري.
وفي سوريا، تكررت نفس التجربة، حيث استولت جماعات متطرفة، تتبنى فكر داعش، على مناطق واسعة بعد تراجع الجيش السوري المنهك واستنزافه خلال الحرب الطويلة. هذا السيناريو الذي رسمته أيادٍ خفية أظهر أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بحماية الدول من الانهيار، بقدر ما تضع مصالحها الاقتصادية وأزماتها الداخلية في المقدمة، حتى لو كان الثمن هو تسليم بلدان بأكملها إلى الفوضى والتطرف.
الأسباب العشرة التي قدمناها في هذا المقال تكشف العوامل المعقدة التي أدت إلى انهيار الجيوش النظامية وصعود الجماعات المسلحة.
إن تكرار هذا السيناريو ليس مجرد مصادفة، بل هو نتاج سياسات مدروسة وصراعات معقدة تُستخدم فيها الجيوش النظامية والشعوب كأدوات في لعبة دولية كبرى. وفي النهاية، يبقى السؤال المطروح: هل ستتكرر هذه التجربة في دول أخرى قريبًا؟ أم ستتعلم الدول من الدرس الأفغاني والسوري لتجنب المصير ذاته؟
دي تالت مرة امريكا تصنع دولة اسلاماوية للتناحر في هذه المنطقة وصنع التواترات ضربا للاقتصاديات لدول المنطقة ومنع الصين وروسيا من استكمال طريق الحرير هي حرب اقتصادية والقادم في هذه المنطقة اسوأ ولابد للشعب المصري انه يصحصح المرحلة القادمة للشائعات وتصدير الطاقات السلبية لصنع التدجر من القيادة وتصوير الدنيا للغرب ان الشعب متذمر لازم الشعب يفوق وده محتاج تغيير فوري للخطاب الاعلامي واختيار اعلاميين جدد مقبولين من الشعب واقرب للشباب والتوعية من الشائعات ومحاولة الرد السريع علي اي اشاعة واي فاسد يتم محاسبته فورا وتغيير افراد الرقابة الادارية بشباب جديد لديه طموح وحب للوطن ولا يسعي للمصالح الخاصة او اقتناص وظيفة لاخوه او اخته او ابنه والتفرغ لمحاربة الفساد والخلاص الفوري من كافة المستشارين وتوفير ما يحصلون عليه من اموال لتعيين الشباب ودمجه في المجتمع والنزول بالسن في كافة المصالح الي ٥٠ عام او اقل قليلا حتي يتم ضخ دماء جديدة قريبة من الشباب وربنا يحفظ مصر باذن الله
تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر