بقلم: شادي طلعت
كل الأمنيات الطيبة للشعب السوري، وكل الدعوات الخالصة بأن يكون المستقبل لهم أفضل مما مضى، سواء على المستوى الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو السياسي. فالسوريون اليوم يعيشون تحديًا مصيريًا بعد سنوات طويلة من القهر والدماء والصراع الذي لم ينتهِ بعد.
لكن لا شك أن هذه الآمال والطموحات لن تتحقق ما لم يتعلم الشعب السوري من تجارب الآخرين في دول الجوار، والدول التي سبقتهم في أحداث “الربيع العربي”، تلك الدول التي عاشت ظروفًا مشابهة ولكنها لم تنجح إلا عندما وضعت مصالح شعوبها نصب أعينها واستفادت من دروس التاريخ.
لقد أثبت السوريون للعالم أجمع أن الثورة الحقيقية لا تموت، حتى وإن مرت أربعة عشر عامًا أو أكثر. فإذ بهم ما زالوا على نفس درب النضال والكفاح، بعزيمة لم تهن وبإرادة لم تلِن، وقلب لم يخشع إلا لله. ورغم قبولهم بالمساعدات والدعم من قوى خارجية لإسقاط حكم بشار الأسد، إلا أن ذلك لا ينقص من إصرارهم شيئًا، فقد واجهوا نظامًا مستبدًا لم يكن ليسقط بسهولة لولا تضافر تلك الجهود.
إن التاريخ مليء بالدروس والعبر، ومنه نتعلم أن الأمم والشعوب التي تسعى إلى التحرر والخلاص من طغاتها كثيرًا ما تلجأ إلى تحالفات خارجية، فالغاية في هذه اللحظات هي القضاء على الظلم وتحقيق الحرية.
ولا خلاف أن بشار الأسد كان طاغية وديكتاتورًا مستبدًا وقاتلًا لشعبه، ولكن رغم ذلك كان صمام أمان في كل البقاع التي كانت خاضعة لسيطرته. الأمان هنا، وإن كان ظاهريًا، إلا أنه كان موجودًا على الأقل لمن ارتضوا الخضوع، أو كانوا من المستفيدين من بقائه. ومن هنا يأتي التحدي الأكبر للثوار السوريين، وهو القدرة على الحفاظ على الأمن والاستقرار في المناطق التي أصبحت تحت سيطرتهم.
لذا، على الثوار السوريين الانتباه إلى الأمور التالية:
الأمر الأول:
على القوى السورية المختلفة أن تضمن بسط الأمان والاستقرار في كل المناطق المحررة، وأن يكون الأمن فيها مبنيًا على سيادة القانون والعدل. فلا مجال للفوضى أو الانفلات، ولا بد من القضاء على البلطجية والشبيحة وكل من يعبث بأمن المواطنين. لكن ينبغي ألا تكون هذه المعارك انتقامية، بل يجب أن يسود القانون، لأن العدل هو أساس الأمان.
الأمر الثاني:
على جميع القوى السياسية، بكل أطيافها وتوجهاتها، أن تُعلِي من المصلحة العامة للوطن، وتبتعد عن المصالح الشخصية الضيقة. فالذين يبحثون الآن عن الثروة، أو الشهرة، أو المناصب، هم في الحقيقة يتاجرون بدماء الشهداء والجرحى الذين ضحوا بحياتهم من أجل حرية سوريا وكرامتها. والحذر كل الحذر من أن تتحول دماء الضحايا إلى وسيلة لتحقيق أطماع خاصة، فالتاريخ لن يرحم من يستغل معاناة الشعب من أجل مكاسب شخصية.
الأمر الثالث:
وهنا أوجه رسالة خاصة إلى القوى المدنية الليبرالية في سوريا: لا تندفعوا نحو السلطة في هذه المرحلة المبكرة، ولا تغرنكم الحياة ببريق الظهور والمناصب. فالثورة ليست محطة للسلطة، بل هي نار تحرق كل من يقترب منها دون حذر. الثورات تأكل قادتها قبل غيرهم، والصفوف الأمامية هي الأكثر عرضة للخطر. عليكم بالتركيز الآن على العمل الجماهيري والتطوعي، وتوعية الناس بمبادئكم وقيمكم الليبرالية السامية، فهذا هو الدور الأهم في المرحلة الحالية. وعندما تهدأ الأمور وتبدأ مرحلة إعادة البناء، لا تترددوا في دخول الحياة السياسية، ولكن عليكم أن تتعلموا من تجربة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذين لم يحسنوا التعامل مع المرحلة الانتقالية.
الأمر الرابع:
على جميع الثوار ألا يثقوا إلا بمن أثبت التاريخ القريب والماضي القريب صدقه وإخلاصه تجاه القضية السورية. فالحذر من المنتفعين الذين يغيرون مواقفهم بحسب مصالحهم، أو من “الخنازير” الذين يتوارون تحت أثواب الحملان. هؤلاء سيكونون أول من يبيع الثورة عندما تحين الفرصة، لذا يجب ألا يُمنحوا أي ثقة أو فرصة للتلاعب بمستقبل سوريا.
الأمر الخامس:
إن الثورة لا يمكن أن تنجح إلا بالأقوياء، ونجاح العدالة الانتقالية في جنوب إفريقيا كان مرتبطًا بوجود شخصية عظيمة مثل نيلسون مانديلا. أما منطقتنا العربية، فقد خلت من أمثال مانديلا. وهنا أقول بوضوح: لا تأخذكم شفقة أو رحمة تجاه كل من أجرم بحق الشعب السوري. يجب ضرب كل رأس خبيث بيد من حديد، لأن بقاء هؤلاء يعني بداية نهاية الثورة وضياع التضحيات.
قبل النهاية:
إن منطقة الشرق الأوسط لم تعرف يومًا معنى الاستقرار الحقيقي، ويبدو أنها لن تعرفه في المستقبل القريب. فلكل دولة دستورها ونظامها الخاص الذي يتوافق مع تاريخها وجغرافيتها وخصوصيتها الثقافية. وما يصلح لدولة مثل العراق قد لا يصلح لسوريا، وما ينطبق على ليبيا قد لا يناسب مصر.
وفي النهاية:
إن الشعوب ليست كلها قادرة على حمل السلاح لتحقيق الحرية والخلاص من الظلم، فكل أمة لها أساليبها وطرقها.
إن قانون العدل والأخلاق والقوة هو الذي يحكم الذئاب، بينما قانون القوة المجردة هو الذي يحكم الأسود. وعلى النقيض، نجد أن قانون الغدر يحكم الضباع، بينما تحكم الخنازير قوانين الذل والخنوع والمهانة.
إنها جينات كامنة في كل نوع من هذه المخلوقات، وخلق الله كل نوع بما يتناسب مع طبيعته، فتكيف معها. الذئاب ليست كالخنازير التي ارتضت بالظلم والقهر والهوان.
وتحية إلى الشعب السوري العظيم، الذي أتمنى له أن يكون ذئابًا قولًا وفعلًا، لا يرضى بالذل ولا يستكين للقهر.
وعلى الله قصد السبيل.