في خضم التحولات المتسارعة على الساحة السورية، بات الجنوب السوري على أعتاب مرحلة خطيرة قد تشهد إعادة ترسيم للواقع الجغرافي والسياسي. التحركات الإسرائيلية الأخيرة، مصحوبة بتحذيرات واضحة وصريحة من كبار المسؤولين في تل أبيب، تكشف بوضوح نوايا إسرائيل في الجنوب السوري، خاصة مع انهيار السيطرة التقليدية للنظام السوري وتقدم الفصائل المسلحة نحو مناطق استراتيجية حساسة.
تحذيرات إسرائيلية وقرع طبول التدخل
أصدر رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي الفريق أول هرتسي هاليفي، ووزير الخارجية جدعون ساعر، تحذيرات شديدة اللهجة للفصائل السورية المسلحة التي حققت مكاسب كبيرة على حساب النظام السوري مؤخرًا، خاصة في منطقة الجولان السوري. التصريحات الإسرائيلية جاءت على خلفية تصاعد التوترات، مع دخول الفصائل المسلحة إلى المنطقة العازلة على الحدود بين سوريا وإسرائيل، وهو ما يُعتبر انتهاكًا مباشرًا لاتفاقية فصل القوات الموقعة في مايو 1974 برعاية الأمم المتحدة.
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر نشر عبر منصة X (تويتر سابقًا) رسالة واضحة قال فيها:
“خلال اليوم الأخير، دخلت القوات المسلحة المنطقة العازلة على الجانب السوري من الحدود مع إسرائيل. تم تنفيذ هجمات على قوة الأمم المتحدة في المنطقة. إسرائيل منزعجة من انتهاكات اتفاقية فصل القوات، والتي تهدد أمنها وأمن مستوطناتها، خاصة في مرتفعات الجولان. دولة إسرائيل لا تتدخل في الصراع الداخلي السوري، لكنها لن تسمح بتهديد حدودها.”
التطورات الميدانية: انهيار النظام وتقدم الفصائل
التصريحات الإسرائيلية تأتي في لحظة حرجة للغاية؛ إذ تمكنت الفصائل المسلحة السورية من إحراز تقدم ميداني سريع على حساب النظام السوري، حيث استولت على كامل منطقة الجولان السوري، وبدأت في إحكام طوقها حول العاصمة دمشق. هذا التقدم يُشير بوضوح إلى فقدان النظام السوري القدرة على السيطرة على الجنوب، ما يجعل المنطقة مكشوفة أمام احتمالات متعددة، أبرزها تدخل إسرائيل المباشر.
لقد كانت منطقة الجنوب السوري، وتحديدًا الجولان، دائمًا محل أطماع إسرائيلية استراتيجية منذ احتلالها للقسم الأكبر من مرتفعات الجولان في حرب 1967. ورغم توقيع اتفاقية فصل القوات عام 1974، إلا أن إسرائيل بقيت تُراقب الوضع السوري عن كثب، وتنتظر اللحظة المناسبة لتعزيز سيطرتها على ما تبقى من أراضٍ سورية في الجنوب، تحت ذرائع “حماية أمنها القومي ومواطنيها”.
إسرائيل والفرصة الذهبية
الانهيار السريع للنظام السوري في الجنوب وفقدانه السيطرة يُشكل فرصة ذهبية لإسرائيل لفرض واقع جديد على الأرض. التحذيرات الإسرائيلية للفصائل المسلحة ليست إلا خطوة تمهيدية للتدخل المباشر تحت شعار الحفاظ على “الاستقرار الأمني” ومنع الجماعات المسلحة من تهديد الحدود الإسرائيلية.
لكن السؤال الأهم: هل ستكتفي إسرائيل بالتصريحات والتحذيرات؟ أم أن هذا المشهد سيُمهّد لتوسيع نفوذها العسكري و”ضم” أجزاء جديدة من الجولان السوري، أو على الأقل إحكام السيطرة الأمنية والعسكرية على المنطقة العازلة؟
التدخل الإسرائيلي: ما وراء الستار؟
منذ سنوات، لم تُخفِ إسرائيل مطامعها في الجولان، واعتبرتها جزءًا من استراتيجيتها الأمنية والاقتصادية. الولايات المتحدة اعترفت رسميًا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان في عام 2019، وهي خطوة عززت الطموحات الإسرائيلية لإحداث تغييرات ديموغرافية وجغرافية هناك. ومع انهيار سيطرة الدولة السورية، تتحول المنطقة الجنوبية إلى ساحة مفتوحة أمام إسرائيل لتمدد نفوذها تحت مبررات أمنية.
إسرائيل تدرك أن الفصائل المسلحة لن تُشكّل تهديدًا وجوديًا لها على المدى القريب، بل ترى في الفوضى السورية فرصة مثالية لفرض الأمر الواقع، وضم الجنوب السوري تحت غطاء حماية أمنها ومستوطناتها.
هل تتحرك القوى الإقليمية؟
في ظل هذا التصعيد، يبرز التساؤل: أين تقف الدول الإقليمية التي كانت شريكة أساسية في دعم الفصائل المسلحة وإضعاف النظام السوري؟ الدول التي دعمت تلك الفصائل – مثل تركيا وقطر وبعض القوى الخليجية – تجد نفسها اليوم أمام مشهد معقد، حيث تتحول مناطق نفوذها إلى لقمة سائغة لإسرائيل، التي تنتظر لحظة الفراغ هذه لتُجهز على الجنوب السوري.
هل ستقبل تلك الدول بتوسع إسرائيلي جديد في سوريا؟ أم أنها ستواجه نتائج دعمها السابق لتلك الفصائل المسلحة التي لم تُحقق “التغيير” السياسي المنشود بقدر ما فتحت الباب لتقسيم سوريا وخلق مساحات نفوذ جديدة لإسرائيل؟