في إطار العلاقات الدبلوماسية المتطورة بين مصر والدنمارك، جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاجن وافتتاحه المؤتمر الاقتصادي المصري-الدنماركي برفقة جلالة الملك فريدريك العاشر لتسجل محطة مهمة في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين البلدين. تميزت كلمة السيد الرئيس بالتركيز على عدة محاور أساسية، تبلورت حول تعزيز الشراكة الاقتصادية، ودعم التعاون بين القطاعين الخاصين في البلدين، والتمهيد لمرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية.
البُعد الدبلوماسي والسياسي لكلمة الرئيس
استهل السيد الرئيس كلمته بتوجيه التحية لجلالة الملك فريدريك العاشر وتهنئته بمناسبة توليه عرش مملكة الدنمارك، مؤكدًا حرص مصر على تطوير العلاقات الثنائية واستقبال جلالة الملك في زيارة مستقبلية إلى مصر، بما يعكس الترحيب المصري على أعلى المستويات. هذا المدخل كان بمثابة تأكيد لعمق العلاقات السياسية بين البلدين، وهو الأمر الذي شكّل أرضية إيجابية لانطلاق الشراكة الاقتصادية.
كما أشاد الرئيس بحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، معبّرًا عن تقديره للمجهودات الدنماركية في تنظيم هذا المؤتمر الاقتصادي، واعتزازه بمشاركة جلالة الملك في هذا الحدث الذي يعكس اهتمامًا مشتركًا بمستقبل العلاقات الاقتصادية.
التحديات الاقتصادية العالمية وجهود مصر للتغلب عليها
في الجزء الثاني من كلمته، تناول الرئيس السيسي التحديات الإقليمية والدولية التي أثّرت على الاقتصاد المصري، شأنه شأن معظم دول العالم. وأبرز الرئيس التحركات المصرية لمواجهة هذه الظروف عبر تبني خطة اقتصادية “جريئة”، ركزت على:
• جذب الاستثمارات الأجنبية
• تمكين القطاع الخاص
• خلق فرص عمل
وأوضح أن هذه الإجراءات ساهمت في تحقيق تقدم ملحوظ على مستوى المؤشرات الاقتصادية وتحسين التصنيف الائتماني للبلاد. هذا الطرح كان رسالة واضحة لمجتمع الأعمال الدنماركي بأن مصر باتت مستعدة لاحتضان الاستثمارات الأجنبية وسط بيئة اقتصادية متطورة ومشجعة.
الشراكة الاستراتيجية: إعلان جديد لتطوير العلاقات
كشف الرئيس السيسي عن توقيع “إعلان مشترك” لترفيع مستوى العلاقات بين مصر والدنمارك إلى شراكة استراتيجية، وهي خطوة تعكس التزام البلدين بالانتقال إلى مستوى جديد من التعاون المتكامل. وأكد الرئيس أن هذه الشراكة ستولي اهتمامًا خاصًا للقطاعات الاقتصادية والاستثمارية ذات الأولوية، ومن أبرزها:
• الشحن والنقل البحري
• الطاقة النظيفة والمتجددة والخضراء
• البنية التحتية
• الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
• الصناعات التحويلية
ووجه الرئيس الدعوة للجانب الدنماركي للاستفادة من الإمكانيات الاستثمارية الكبيرة في مصر، مستعرضًا الدور الحيوي الذي تلعبه المناطق الاقتصادية، وعلى رأسها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، في دعم سلاسل الإمداد الإقليمية والدولية.
مصر كمركز إقليمي للطاقة المتجددة والخضراء
أشار السيد الرئيس إلى الطموحات المصرية في أن تصبح مركزًا إقليميًا لنقل وتداول الطاقة المتجددة، وهو هدف تدعمه عدة عوامل:
1. الموقع الاستراتيجي لمصر
2. البنية التحتية المتطورة
3. التعاون الدولي القائم مع كبرى الشركات العالمية
وضرب الرئيس مثالًا بـ”مجموعة أي. بي. موللر ميرسك” التي تُعد نموذجًا ناجحًا للتعاون المصري-الدنماركي المستمر منذ أكثر من 20 عامًا. هذا التأكيد يعكس استعداد مصر لمزيد من الشراكات المماثلة، خاصة في قطاع الطاقة الذي أصبح يمثل أهمية استراتيجية عالمية.
التزام مصر بتقديم الدعم للمستثمرين الدنماركيين
وجّه الرئيس السيسي رسالة طمأنة للمجتمع الدنماركي، مؤكدًا أن الحكومة المصرية “لم ولن تدخر جهدًا” في تقديم الدعم والتسهيلات للشركات الدنماركية العاملة في مصر أو الراغبة في دخول السوق المصري. كما أشاد بدور رجال الأعمال المصريين في تعزيز التعاون المشترك وتبادل الخبرات لتحقيق المصالح المشتركة.
ختام الكلمة: تطلعات نحو مستقبل اقتصادي مشرق
اختتم الرئيس كلمته بالتعبير عن تطلعاته بأن يكون المؤتمر الاقتصادي المصري-الدنماركي منصة حقيقية لتحقيق نتائج ملموسة، تدعم تدفق الاستثمارات الدنماركية إلى مصر، بما يخدم مصالح البلدين ويعود بالنفع على الشعبين. جاءت كلمات الرئيس مُفعمة بالثقة والتفاؤل في مستقبل العلاقات بين البلدين، مؤكدةً استعداد مصر الكامل لبدء مرحلة جديدة من التعاون المثمر.
أهمية كلمة الرئيس في سياق العلاقات المصرية-الدنماركية
كلمة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي جاءت شاملة ومركّزة، ركزت على ثلاثة أبعاد رئيسية:
1. الجانب السياسي: توجيه رسائل دبلوماسية إيجابية، وبناء أرضية قوية لتعزيز العلاقات الثنائية.
2. الجانب الاقتصادي: استعراض جهود مصر الاقتصادية، وتقديم مصر كسوق واعد للاستثمار.
3. الجانب الاستراتيجي: إعلان شراكة جديدة ترتقي بالعلاقات إلى مستويات غير مسبوقة، مع التركيز على الطاقة المتجددة والمجالات المستقبلية.
هذه الكلمة تؤكد أن زيارة الرئيس السيسي إلى الدنمارك ليست مجرد زيارة رسمية، بل هي خطوة عملية نحو تحقيق طفرة نوعية في التعاون المصري-الدنماركي، بما يواكب التحديات الاقتصادية العالمية ويدعم فرص النمو المستدام للطرفين.