على مدار السنوات الأخيرة، بات واضحًا أن هناك مخططًا جليًا يهدف إلى تفريغ الشرق الأوسط من مكونه المسيحي الأصيل، الذي كان ولا يزال حجر الزاوية في تكوين المجتمعات الشرقية منذ فجر التاريخ. هذا المخطط الذي يظهر بأشكال مختلفة، من تهجير قسري إلى أعمال عنف وإرهاب، لا يمكن فصله عن الأدوار المشبوهة التي تلعبها دول مثل قطر وتركيا، وجماعات مثل الإخوان المسلمين، في إشعال الفتن ودعم الجماعات الإرهابية التي تنفذ هذا المخطط على الأرض.
قطر: راعية المؤتمرات والإرهاب
مؤخرًا، عقدت قطر مؤتمرًا حول “هجرة وتهجير مسيحيي الشرق الأوسط”، في خطوة تبدو في ظاهرها اهتمامًا بحقوق المسيحيين، لكنها في حقيقتها لا تعدو كونها محاولة لتجميل صورتها أمام العالم، بينما تواصل دعم الجماعات المتطرفة التي تقود هذا التهجير. قطر، التي كانت ولا تزال الداعم الأول لجماعة الإخوان المسلمين، وفرت التمويل والغطاء السياسي للجماعات الإرهابية التي ارتكبت مجازر بحق مسيحيي العراق وسوريا، وساهمت في نشر الفوضى عبر دعم خطاب الكراهية والانقسام.
تركيا: الحاضنة للإرهاب والتوسع العثماني
تلعب تركيا دورًا رئيسيًا في المخطط الذي يستهدف مسيحيي الشرق، من خلال دعمها العلني والمباشر للجماعات الإرهابية في سوريا. منذ اندلاع الحرب السورية، استخدمت أنقرة أراضيها كمعبر للإرهابيين الذين استهدفوا مدنًا وبلدات مسيحية تاريخية، مثل حلب وبلدات الجزيرة السورية. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يحلم بإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، يرى في تفريغ المنطقة من المسيحيين فرصة لإحكام سيطرته عليها، وتوسيع نفوذه تحت غطاء الدين.
الإخوان المسلمون: الفكر التكفيري الموجه ضد المسيحيين
جماعة الإخوان المسلمين كانت ولا تزال الأداة الأيديولوجية والتنظيمية لهذا المخطط. ففي عام حكم الإخوان بمصر، خرج أحد قيادات الجماعة ليصرح بشكل علني: “إذا لم يعجب الأقباط حكم الإخوان، فليهاجروا إلى كندا”. هذه التصريحات لم تكن مجرد زلة لسان، بل كانت تعكس عقيدة الجماعة التي تعتبر المسيحيين أقلية يجب تهميشها أو دفعها للهجرة.
في سوريا، دعمت الجماعة فصائل متطرفة مسؤولة عن تهجير المسيحيين وتدمير كنائسهم. وفي العراق، كانت الجماعات الإرهابية التي تتبنى الفكر الإخواني مسؤولة عن مجازر بحق المسيحيين، مما دفع عشرات الآلاف منهم إلى الهجرة.
الهدف: تفريغ الشرق لخدمة إسرائيل
ما يجري في الشرق الأوسط ليس مجرد صراع سياسي أو ديني، بل هو جزء من مخطط أوسع لتفريغ المنطقة من مسيحييها، خدمةً لمصالح إسرائيل وحلفائها. الهدف هو خلق شرق أوسط أحادي الطابع الديني والثقافي، بحيث تصبح إسرائيل القوة المهيمنة دون وجود أي أطراف قادرة على منافستها أو الوقوف في وجه مخططاتها التوسعية.
مسيحيو سوريا ولبنان: على خط النار
ما يحدث في سوريا من تهجير قسري للمسيحيين هو أكبر دليل على هذا المخطط. مدينة حلب، التي كانت واحدة من أهم معاقل المسيحيين في الشرق، تعرضت لعملية تهجير ممنهجة تحت أعين العالم. المؤسف أن بعض الأصوات المسيحية في لبنان، التي هللت لسقوط حلب بيد الجماعات الإرهابية، تتجاهل أن مصير مسيحيي سوريا هو جرس إنذار لما قد يحدث في لبنان.
الموارنة، الذين انطلقت كنيستهم من حلب، يتعرضون اليوم لخطر الزوال في موطنهم الأصلي، ومع ذلك يبدو أن البعض في لبنان يفضل التركيز على حسابات سياسية ضيقة بدلاً من الوقوف مع إخوتهم في سوريا.
رسالة إلى مسيحيي الشرق
المخطط واضح، والمستهدف معروف. ما يجري من تهجير قسري وقتل وتدمير ليس سوى البداية لمشروع يهدف إلى اقتلاع المسيحيين من أوطانهم. المطلوب اليوم هو إدراك حجم المؤامرة والتكاتف لمواجهتها، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضًا من خلال تحرك دولي يكشف الأدوار القطرية والتركية في دعم هذا الإرهاب.
مسيحيو الشرق ليسوا مجرد أقلية، بل هم جزء أصيل من حضارة هذه المنطقة وتاريخها. بقاؤهم وصمودهم هو الرد الحقيقي على هذه المؤامرة، والضمان لاستمرار الشرق الأوسط كمنطقة تعايش وتعددية، لا كمنطقة أحادية تحت سيطرة التكفيريين وأسيادهم.