في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي بشكل غير مسبوق، لم تعد الحروب تُخاض بالدبابات والمدافع فحسب، بل تحوّلت إلى معارك غير تقليدية تستهدف العقول والمفاهيم والقيم. برزت حروب الجيل الرابع والخامس كأحد أخطر التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات، حيث تعتمد هذه الحروب على استراتيجيات نفسية وإعلامية وتقنية لإضعاف تماسك الشعوب وتفكيك هويتها الوطنية.
إنها حروب بلا جنود ولا حدود، تُستخدم فيها أدوات مثل وسائل التواصل الاجتماعي، الشائعات، والأفكار المتطرفة لتفتيت الثقة بين الأفراد ومؤسسات الدولة، ودفع الشباب نحو العزلة والاغتراب الفكري. ومع انتشار الثورة المعلوماتية التي اجتاحت كل بيت، باتت هذه الحروب أداة خفية تهدد استقرار المجتمعات، وتجعل التصدي لها ضرورة حتمية لحماية الحاضر والمستقبل.
في هذا السياق، تبرز أهمية تعزيز الوعي المجتمعي، وابتكار استراتيجيات فعّالة لمواجهة هذا النوع من الصراعات التي لا تقل خطورة عن الحروب التقليدية، بل ربما تفوقها تأثيرًا على المدى الطويل.
في لقاء صحفي أجرته الكاتبة هيام عبد العزيز مع الكاتب الصحفي طارق درويش، رئيس حزب الأحرار الاشتراكيين، تناول الحوار القضايا الراهنة على المستويين المصري والعالمي، مسلطًا الضوء على التحديات الكبرى التي تواجه مصر اليوم، وعلى رأسها حروب الجيل الرابع والخامس، والثورة المعلوماتية وتأثيراتها.
تحدث درويش عن خطورة حروب الجيل الرابع والخامس، التي تعتمد على استهداف العقول والأفكار بدلاً من المواجهات العسكرية التقليدية. وأوضح أن هذه الحروب تستخدم أدوات متطورة، مثل منصات التواصل الاجتماعي كفيسبوك، تويتر، تيك توك، وإنستجرام، لتفكيك المجتمعات وإضعاف هويتها.
قال درويش:
“هذه الحروب تستهدف الشباب بشكل أساسي، لإحداث تشويش فكري وتشويه المفاهيم والقيم. الهدف هو تصدير أفكار متطرفة، سواء ذات طابع ديني أو تحرري، وكلاهما يتعارض مع تعاليم الأديان الوسطية وقيم مجتمعاتنا.”
وأضاف أن هذه الاستراتيجيات تُستخدم لإضعاف ثقة الشباب في الدولة ومؤسساتها، عبر ترويج إشاعات وأخبار كاذبة تهدف إلى الوقيعة بين الشعب من جهة والجيش والشرطة من جهة أخرى. وأكد درويش على أهمية تعزيز الإعلام الأمني للتصدي لهذه الظواهر، وإيجاد استراتيجيات توعية فعالة.
الثورة المعلوماتية وتأثيراتها السلبية
حول تأثير الثورة المعلوماتية الهائلة، أشار درويش إلى أن الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي والوسائل التكنولوجية الحديثة أتاحت للعالم تجاوز حدود الزمان والمكان. ومع ذلك، ظهرت معها تحديات كبيرة، أبرزها:
• محاولات تغيير الهوية المجتمعية: نشر أفكار دخيلة وغريبة على مجتمعاتنا.
• استخدام المنصات لأغراض سلبية: مثل التشهير، الاحتيال، وانتهاك الخصوصية.
• التأثير على الرأي العام: من خلال ترويج أفكار متطرفة دينيًا أو سياسيًا أو اجتماعيًا.
قال درويش:
“مع تزايد أعداد مستخدمي الإنترنت وسهولة الوصول إلى الشبكات الاجتماعية، أصبح الشباب عرضة للتأثيرات السلبية لهذه الأدوات، التي تُستخدم بشكل منهجي لتدمير القيم والأعراف.”
وأضاف أن الحل يكمن في بناء استراتيجية شاملة تعتمد على التوعية الإعلامية، والتعاون بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، لحماية الشباب من هذه المخاطر وتحقيق الاستقرار.
دور الإعلام في التصدي للتحديات
اختتم درويش حديثه بالتأكيد على أهمية الإعلام في مواجهة التحديات المعاصرة، مشددًا على ضرورة تبني أدوات وأساليب حديثة لمكافحة الشائعات والتضليل. ودعا إلى استخدام الإعلام كوسيلة لنشر الوعي، وحماية الهوية الوطنية، وتوجيه الشباب نحو مستقبل أفضل، يرتكز على القيم الإيجابية والانتماء للوطن.
هذا الحوار يعكس رؤية حزب الأحرار في مواكبة التحديات الراهنة، وتأثيره المستمر في الساحة السياسية والاجتماعية، حيث يظل الحزب منبرًا لتوعية المجتمع والدفاع عن القيم الوطنية.