هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة تدخل مدينة حلب بعد هجوم مباغت
شهدت سوريا تطوراً ميدانياً خطيراً مع دخول مجموعات مسلحة، من بينها هيئة تحرير الشام وفصائل مدعومة من تركيا، إلى مدينة حلب، شمال سوريا. جاء هذا التحرك بعد هجوم واسع ومباغت بدأته الفصائل قبل يومين، مستهدفة مواقع القوات الحكومية السورية، في تصعيد يعتبر الأعنف منذ سنوات طويلة. هذه العملية، التي تخللتها مواجهات عنيفة وقصف مكثف، تضع تطورات الميدان السوري في دائرة الضوء مجدداً، وسط تداعيات سياسية وعسكرية معقدة.
تفاصيل التقدم العسكري
مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أعلن أن الفصائل المسلحة نجحت في التقدم داخل الأحياء الجنوبية الغربية والغربية لمدينة حلب، التي تعد أكبر مدن الشمال السوري وأكثرها أهمية استراتيجياً. وأشار إلى أن هذه المجموعات سيطرت على خمسة أحياء، بينما لم تبدي قوات النظام السوري مقاومة كبيرة أمام هذا التوغل المفاجئ. يُذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها فصائل معارضة مسلحة من دخول مدينة حلب منذ أن أحكمت قوات الرئيس بشار الأسد السيطرة الكاملة عليها في عام 2016.
اشتباكات وتقدم غير مسبوق
مراسل وكالة فرانس برس الذي رافق الفصائل أثناء دخولها حي حلب الجديدة، أكد أن اشتباكات عنيفة دارت بين القوات السورية والمجموعات المهاجِمة. وأضاف أن المعارك، التي استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، أظهرت تراجعاً ملحوظاً في قدرة النظام على الدفاع عن مواقعه، مما أدى إلى تقدم الفصائل بشكل سريع. ووفقاً لإحصائيات المرصد السوري، فإن العمليات العسكرية أسفرت حتى الآن عن مقتل 277 شخصاً، أغلبهم من المقاتلين من طرفي النزاع. كما أودت بحياة 28 مدنياً، معظمهم جراء قصف نفذته الطائرات الروسية الداعمة للنظام.
الظروف الإقليمية وتأثيراتها
الهجوم يأتي في توقيت حساس للغاية في منطقة الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي يشهد فيه لبنان وقف إطلاق نار هش بين إسرائيل وحزب الله، تستغل الفصائل المعارضة في سوريا هذا الوضع لإعادة ترتيب موازين القوى على الأرض. يُذكر أن حزب الله اللبناني يقاتل منذ سنوات إلى جانب النظام السوري، مما يجعل من هذه التطورات امتداداً لتعقيدات المشهد الإقليمي.
أوسع تقدم للمعارضة منذ سنوات
بحلول يوم الجمعة، أعلنت الفصائل المعارضة سيطرتها على أكثر من خمسين بلدة وقرية في الشمال السوري، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. يُعد هذا التقدم الأوسع نطاقاً للمجموعات المسلحة منذ سنوات، مما يعكس تغيراً ملحوظاً في ديناميكيات الصراع داخل سوريا. كما أفاد المرصد أن مقاتلي هيئة تحرير الشام وحلفاءهم تمكنوا من قطع الطريق الدولي الذي يربط بين حلب ودمشق، وهو ما يُعتبر ضربة موجعة للنظام، حيث يعزل هذا التحرك مدينة حلب عن الجنوب السوري ويقطع خطوط الإمداد الحيوية للقوات الحكومية.
أزمة إنسانية متفاقمة
التصعيد العسكري الأخير أدى إلى موجة نزوح كبيرة، إذ تجاوز عدد النازحين 14 ألف شخص، نصفهم تقريباً من الأطفال، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. فرّ المدنيون من مناطق الاشتباكات في ظروف إنسانية صعبة، تاركين وراءهم منازلهم وممتلكاتهم. هذه الموجة الجديدة من النزوح تزيد من تعقيد الوضع الإنساني في سوريا، التي تعاني بالفعل من أزمة إنسانية مستمرة منذ أكثر من عقد.
رد فعل النظام السوري
في ظل هذا التصعيد الخطير، أفاد مصدر أمني سوري لوكالة فرانس برس بوصول تعزيزات عسكرية إلى مدينة حلب، في محاولة لاستعادة السيطرة على الأحياء التي خسرتها القوات الحكومية. من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تصعيداً جديداً في المعارك، مع محاولات مكثفة من النظام لإعادة بسط نفوذه على المدينة.
تداعيات واستشراف للمستقبل
هذا التقدم العسكري المفاجئ يعيد تسليط الضوء على المشهد السوري المعقد، الذي تتداخل فيه الأطراف المحلية والإقليمية والدولية. ما حدث في حلب يمثل تحدياً جديداً للنظام السوري وحلفائه، خصوصاً مع التغيرات الميدانية التي قد تعيد خلط الأوراق في الشمال السوري. يبقى السؤال الأهم: هل سيغير هذا الهجوم معادلة الصراع؟ أم أن النظام السوري وحلفاءه سيتحركون سريعاً لاحتواء هذا التطور؟
الأيام المقبلة ستكون حاسمة، حيث يتوقع أن تزداد حدة المعارك، بينما تستمر معاناة المدنيين في ظل غياب أي أفق لحل سياسي ينهي النزاع الممتد منذ أكثر من 12 عاماً.