في أول زيارة لي إليك بعد استلامي فستان الزفاف، كان حماسي لا يوصف. لم أتمكن من الانتظار لحظة واحدة، فركضت نحو الداخل وكأنني عاصفة، حاملة الفستان بين يدي. كنت أرى نفسي في تلك اللحظة مبدعة، وقد حققت إنجازًا عظيمًا من خلال التعاون المشترك بيني وبين ليلى وعصام الترزي. كان الفستان قطعة من الحلم، وكل خيط في تفاصيله كان يحمل لمسات من كل لحظة قضيناها في تحضيره. كنت أريد أن أرى وجهك وأنت تشاهد هذا الإنجاز بعينيك، أن ترى ثمرة الجهد والتعب الذي بذلناه.
لكن ما أن اقتربت منك، حتى وجدتها هي، ماما، قد سبقتني إلى الفستان. وقفت بيننا كحاجز لا يمكن تخطيه، ممسكة به بكل قوة، عينها ثابتة على الهدف. وكأنها قالت بكل حسم: “الفستان ليوم الفرح فقط، وأنتِ لن تراه قبلها.” حاولت أن أذكّرها بيوم شراء القماش، حين كنا نذهب معًا لانتقاء كل قطعة على حدة، حين كانت ضحكاتنا تملأ المكان. كانت تلك الأيام بمثابة الذاكرة التي تزينها المشاعر الطيبة والذكريات الجميلة، ولكن ردها كان حاسمًا للغاية. قالت بحزم: “القماش حاجة، والفستان حاجة تانية خالص.”
أصابني نوع من الحيرة حين سمعت كلماتها. كنت أفهم تمامًا رغبتها في الاحتفاظ بهذا السر الجميل بيننا، ولكنها كانت صعبة عليّ للغاية. حاولت إقناعها بأدب أنني لا أستطيع الانتظار لرؤية رد فعل رجائي، لكن ماما كانت حاسمة، مثلما تكون دائمًا. “يا ماما، يهديكي يرضيكي!” قلتها كنوع من المزاح، ولكنها أجابت بكل إصرار: “لا، الفستان لن يُرى قبل الفرح.” كانت كلماتها التي تجسد حرصها، تجعلني أتراجع أمام إرادتها.
لكن، لم أستطع أن أحتفظ بمشاعري كلها في داخلي، فابتسمت ساخرة: “سأترك الفستان في الدولاب وأحضر الفرح بالبيجامة.” كانت نبرتي ساخرة، لكن الضحكة التي خرجت من ماما ومنك كانت أروع رد. انفجرتما ضاحكين، وحاولت إخفاء الغضب الذي شعرت به، لكنني لم أتمكن من السيطرة على نفسي. شعرت وكأنكما تعمدتما إغاظتي، فقلت بمرح: “هل سيكون هذا ما يعجب رجائي؟”
أجبتني بسرعة: “لو ده هيعجب رجائي اعمليه.” وبصراحة، ما أن سمعت هذه الكلمات حتى ضحكت ضحكةً صافية، ولكني كنت أيضًا غاضبة بعض الشيء. مع ذلك، كنت أعي تمامًا أنه لا شيء يمكن أن يوقف هذا اليوم العظيم. “سأكون سعيدة بأي ملابس ترتدينها”، قلت، ولكنني في نفسي كنت أُؤمن أن فستان الفرح سيكون هو الأجمل، فهو ليس مجرد ملابس، بل هو حلم سيأتي في لحظة لن أنساها أبدًا.
وها نحن ذا، بينما كانت الساعات تقترب من لحظة الفرح، وكل لحظة كانت تحمل في طياتها توترًا ومشاعر مختلطة. لكنني أدركت أن هذا اليوم الذي طالما حلمنا به كان يقترب. كانت كلماتك، رجائي، هي التي جعلتني أهدأ، وجعلتني أُدرك أن الفستان مهما كان لن يكون له الأثر الذي يحمل كل شيء بيننا. “الفستان لا يمكن أن يفرق بيني وبينك”، كنتِ تؤكدين ذلك مرارًا وتكرارًا. كانت كلماتك بمثابة الطمأنينة، فحاولت أن أُهدئ من روع ماما، ولم يكن هناك داعٍ لأن نتجادل أكثر.
حين سحبت ماما الفستان لتضعه في الدولاب، عادت مرة أخرى لتقول: “مفيش فستان يقدر يفرق بيني وبين رجائي.” وكانت هي كلمات الأمان التي جعلتني أتنفس الصعداء. كانت ثقافة قديمة متجذرة في عقولنا، ولكنها كانت تحمل في طياتها الكثير من الحكمة. لكن ماما، كما هي عادةً، كانت تخشى المجهول، وقالت لي: “خديني على قد عقلي وراعي مخاوفي.” فابتسمت ببراءة وقلت لها: “ولماذا لا نخاف أو نتشاءم من رؤية العروسة لبدلة العريس؟ لقد ذهبت مع رجائي ليختار بدلتك وقاسها، ورأيت كيف كانت ماما أم رجائي فرحة بها، أليس كذلك؟”
وبابتسامة بريئة منك، قلت: “والنبي يا بنتي، ما أعرف. لكن هذا هو ما ورثناه عن أهلنا.” وأنا، بدوري، كنت قد وجدت رغبتي في التعرف على أصل هذه العادات. فقالت لي ما جعلني أبتسم وأفكر في فكرة رائعة: “بما أنك صحفية، وطالما هذا الموضوع يشغلك، إذًا أنت مكلفة بإجراء تحقيق صحفي عنه.” كانت الفكرة مثيرة جدًا، لكنني توقفت لحظة لأقول: “بالطبع، بعد الزواج، لأننا لا نملك الوقت الكافي الآن.”
على الرغم من أنني نويت أن أبحث عن الإجابة لهذا السؤال العميق، إلا أنني، بحلول الوقت الذي مرّ فيه الشهر، كنت قد نسيت تمامًا تنفيذ التحقيق الصحفي الذي كلفتني به، رغم أن السؤال لا يزال قائمًا ومطروحًا بلا إجابة. ومع ذلك، أعِدك، رجائي، أنني سأفعل ذلك قريبًا، لأجل خاطرك.
وحشتني يا رجائي، وكل يوم يمضي يضيف إلى قلبي جزءًا جديدًا من الحب والاشتياق. وكلما اقترب موعد الفرح، ازدادت مشاعري تعقيدًا بين الحلم والواقع.
وما زال نوفمبر مستمرًا… وللحديث بقية.