هكذا قالت أمي لخالي إسماعيل بدر، وهي تدفع بجسدي الصغير إليه. حينها تلقفتني عيناه بإشفاق من يعرف طبع الحياة، فهو المشفق على ذلك اليتيم من قسوة الدنيا، والراغب في مد يد المساعدة ليُحوِّل هذا “المدلل” إلى رجل.
وقد كان.
على مدى سنوات عمري، كانت يده دائمًا الأسبق إلى تشكيل عقلي وقلبي وعزيمتي وروحي. كان دائمًا الأب بعد الأب، والسند بعد الله، والناصح دون مصلحة، والأمين مع القريب والغريب. منه تعلمنا الأمانة في القول والعمل.
خالفته بروح المراهق، فكان يستوعب. وطاوعته بروح المعجب بعقله، فكان يزيدني علمًا كل يوم. وبين هذا وذاك، لم يكن حبه لي يقل أو يأفل أبدًا.
دائمًا كان مهمومًا بي وبإخوتي، كما لو كنا من صلبه. في زواج إخوتي، كان حاضرًا بالقلب والجسد والجيب. كم من تعثرٍ في زواج لم يشعر به أحد، ولعل زواج أخي الأصغر كان المثال الأبرز، إذ تكفل بكل صغيرة وكبيرة. أذكره حينها واقفًا أمام صورة أبي وأمي، دامع العينين، وهو يقول: “يا رب أكون قدرت أسعدكم في قبوركم.”
والحقيقة أنك أسعدت الحي والميت، فلا تكفي الكلمات لتوفيك حقك أبدًا.
في مرض أمي، كان الحاضر دائمًا، رافضًا أن يكون لأي شخص آخر أي دور. كانت أمي الأقرب دائمًا إلى قلبه. حينها كنت متيسرًا ماديًا، ومع ذلك رفض أن أتحمل أنا أو إخوتي أي شيء. كانت تدعو له دائمًا: “ربنا يجعلك تاجًا فوق راس الكل.”
وكانت أمي مستجابة الدعاء.
كلما نظرت إليه، تذكرت حديث النبي ﷺ عن كافل اليتيم، وأفكر: إذا كان هذا مقام الكافل فقط، فما جزاء من كفله وكان له أبًا وصديقًا ومعلمًا ومرشدًا وناصحًا وسندًا؟
رحمك الله يا خالي، فقد كنت لنا أكثر من ذلك بكثير.