تتعالى صيحات وقف إطلاق النار، غربيًا وعربيًا، فى التفاف غريب على واقع كارثى فى الأرض المحتلة، ما يجرى فى غزة حرب إبادة ممنهجة، استئصال شأفة شعب من جذوره.
لافت استهداف الأطفال والنساء، يستهدفون وأد الأجيال المقبلة التى ولدت، والتى فى رحم أمهاتها، والأمر منه استهداف الأرحام بوأد النساء تحت الأنقاض.
دعوى وقف إطلاق النار تصح فى حال حرب، يعقبها فك الاشتباك، والجلوس إلى طاولة المفاوضات لبحث سيناريوهات اليوم التالى فى غزة، وهذا ما يتدارس حاليا فى الغرف الاستخباراتية المغلقة، أهل غزة أدرى بشعابها، ولكنهم لا يفقهون.
فى سياق تحرير المصطلحات، وتدقيقها، والوقوف عليها قانونيا، الفقيه القانونى الكبير، الدكتور على الغتيت، أستاذ القانون الدولى والاقتصادى المقارن، يحذرنا من الوقوع فى المحظور، واعتماد مصطلح «وقف الحرب» بديلا عن «وقف الإبادة الجماعية»، يلفتنا إلى منهج العدو فى تسطيح المصطلحات وفق منظور استخباراتى خبيث، وللأسف ننساق وراء المصطلحات الزاعقة دون أن نحترى لون القط فى النفق المظلم. يقول الدكتور الغتيت فى رسالة عميقة: «واقعا؛ وفى صحيح أصول وقواعد القانون الدولى العام وأحكام القضاء الدولي؛ الدعوى الصحيحة الدقيقة هى (وقف الإبادة الجماعية)، وليست الدعوى لوقف إطلاق النار».
إذا هذه الدعوى الأخيرة «وقف إطلاق النار»، ما نسميه الدعوى المغلوطة بجسامة فادحة والتى جرى بها الإعلام، تصدق هذه الدعوى فقط وتخص حالات الحروب، وليست «الجرائم الجائحية» التى تسفح بها إسرائيل شعب وأراض فلسطين. ما نحن بصدده، من جرائم الإبادة الجماعية وليست من قبيل الحروب فى صريح أحكام القانون الدولى العام والقضاء الدولى، وكذا فى الدارج من الخطاب العام العالمى، والفارق بين هذه الدعوى الصحيحة «وقف الإبادة الجماعية» وتلك المجهلة للحقيقة القانونية المستقرة «وقف إطلاق النار» يخلط بين الأمور والمصائر، وهذا خطأ جسيم وباهظ الثمن، وكلفته مزيد من الأرواح.
فى سياق الإبادة الجماعية التى يؤشر عليها الدكتور الغتيت، تعريفا، الإبادة الجماعية هى التدمير المتعمد والمنهجى لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم، تمت صياغة هذا المصطلح فى الأربعينات من القرن العشرين بواسطة المحامى البولندى المولد «رافئيل ليمكن».
والإبادة الجماعية تترجم الفظائع التى ارتكبت أثناء محاولات الإبادة لطوائف وشعوب على أساس قومى أو عرقى أو دينى أو سياسى، وصنفت كـجريمة دولية فى اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة ١٩٤٨ م، ووضعت موضع التنفيذ فى العام ١٩٥١ م، إن صادق عليها عشرون دولة، وحتى الآن صادقت على الاتفاقية ١٣٣ دولة حول العالم.
توصيفات الإبادة الجماعية جميعها مجسدة بالدم فى غزة، يطحن البشر والحجر تحت قصف ممنهج لاستئصال شأفة شعب فلسطين، وهكذا تبدو الدعوى لوقف إطلاق النار مخاتلة غربيا، موالسة عربيا، تقفز بخفة على القانون الدولى، وتستهبل العقول، ويسوقها الإعلام العبرى طازجة، ليتلقفها الإعلام العربى الذى يسقط برعونة فى فخ الاستخبارات الإسرائيلية (موساد) التى تنصب الشراك الخداعية المصطلحاتية تباعًا.