شاهد صمود فرسان «مخيم جباليا» فى وجه جيش نتنياهو «العَرَمْرَم»، وتذكر صمود فرسان «إسبرطة» فى وجه جيش الفرس العَرَمْرَم، عند معبر «ثرموبايلى الجبلى» عام (٤٨٠ قبل الميلاد).
توحد ما تبقى من مقاومة الإغريق ضد جيوش الفرس، قاد الملك الفارسى «خشايارشا الأول» أكثر من مليون مقاتل، وواجه فحسب (٣٠٠) من الإسبرطيين، و(٧٠٠) من الثرسبيايين، فى معركة تجلت فيها روح المقاومة حتى الموت.. لم يعبر جيش «خشايارشا» إلا على جثث أبطال إسبرطة!!
جباليا، مدينة فلسطينية تبعد (٤ كيلومترات) شمالى مدينة غزة، ويقع «مخيم جباليا» على مقربة منها فى الشمال، المقاومة فى المخيم تسجل آيات استشهاد إسبرطية خالصة!!
الفيلم الملحمى الأمريكى الشهير (٣٠٠)، جسَّد صمود مقاتلى إسبرطة (راجع الفيلم)، كاميرات القسام (تحت القصف المفرط) تعجز عن تجسيد صور المقاومة الفلسطينية فى المخيم الصامد.. تكتفى بما تيسر تصويره، وهناك المزيد.
جباليا مقبرة الغزاة، جيش الاحتلال ينزف بشدة من نخبة مقاتليه، ثلاثون قتيلًا حتى ساعته، ومعلوم قتيل واحد يذبح الإسرائيليين، ما بالك بثلاثين قتيلًا من جنود ما يسمى «النخبة» فى جيش الاحتلال.
جباليا عصية على الإسرائيليين، كما إسبرطة كانت عصية على الفرس، أربعون يومًا سوداء على رؤوس جيش الاحتلال، درس جباليا، والعدو لا يفهم سر صمود جباليا، كما لم يفهم الفرس سر صمود إسبرطة.
معركة جباليا الثالثة من نوعها منذ بداية الحرب على غزة فى (٧ أكتوبر)، سبقها اجتياحان فى ديسمبر ومايو.. جباليا تنزف خيرة مقاوميها ولاتزال صامدة.
ورغم المجازر البشعة، واستشهاد ألف فلسطينى، والقصف العنيف، وتدمير أحياء سكنية كاملة، وتهجير عشرات الآلاف جنوبًا، لاتزال جباليا تسجل واحدة من أعظم معاركها فى مواجهة آلة عسكرية إجرامية لا تعتبر لقواعد الحرب أخلاقيًا.
مساحة جباليا لا تتجاوز (١.٥) كيلومتر مربع، لكن مقاومتها تفرش وشاح العزة على غزة بكاملها، معركة جباليا تحدٍّ لصلف جنرالات الإبادة.
حشدت إسرائيل لمعركة جباليا نخبتها العسكرية، حشدت الفرقة (١٦٢) المدرعة، ودعمتها باللواء المدرع (٤٦٠)، ولواء جفعاتى (قوات خاصة)، ما يُقدر بنحو (٥٠ ألف جندى)، بمساندة جوية ومدفعية مكثفة وطائرات استطلاع حديثة تصب الجحيم على رؤوس الصامدين.
جبال جباليا، كل مقاوم على الأرض طود، عملية «الأرض المحروقة» التى اعتمدها جيش الاحتلال لا تفت فى عضد المقاومة، خبروها جيدًا، خبروا القصف العشوائى، والأحزمة النارية، وتدمير المبانى بالروبوتات والبراميل المتفجرة، خبروا الحصار، والتجويع، والتعطيش.
جنرالات الإبادة الجماعية يستهدفون البشر والحجر، يرومون تهجير سكان المخيم بالقوة، محو جباليا من على الخريطة، وتحويل شمال غزة لمنطقة أمنية عازلة «خطة الجنرالات».
الجيش الإسرائيلى يعيش أسوأ كوابيسه فى جباليا، ويعاين خسائره فيعتمل ثأرًا، ويزداد ضراوة، المقاومة فى جباليا متمرسة على حرب استنزاف طويلة.
أخيرًا، ظفرت المقاومة بصيد ثمين، اغتالت (قائد اللواء ٤٠١) بالجيش الإسرائيلى، العقيد «إحسان دقسة»، مع عصبته من الضباط المغرورين، بعبوة ناسفة استهدفتهم بشكل مباشر فى عملية نحرت قلب نتنياهو، فخرج يهذى بالانتقام.
المقاومة فى جباليا اضطرّتهم لسحب (اللواء المدرع ٤٦٠) من محيطها (حرمها)، كما عمد جنرالات الحرب لإعادة نشر قواتهم فى شمال غزة، وسحبها من الأحياء السكنية مع حصار جباليا من جميع الجهات مع تكثيف قصفها الجوى والمدفعى على رؤوس سكان جباليا الصامدين.. جباليا.. إسبرطة فلسطينية لم تسجل عظمتها بعد.