البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، هو بطريرك استثنائي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يجمع بين الإرث العظيم والايمان العميق والتجديد الجريء، وهو يمثل بحق روح المحبة والتسامح والوحدة الوطنية. بطريرك لم تقتصر رسالته على قيادة الكنيسة بوضعها الحالي، بل امتدت لتشمل العالم أجمع. منذ اللحظة التي تولى فيها الكرسي البابوي، كانت رؤيته واضحة: أن الكنيسة القبطية لا تقتصر على حدود الوطن، بل هي رسالة محبة تصل إلى أقصى أطراف المعمورة.
في كل يوم من سنوات خدمته، أثبت البابا تواضروس أنه بابا استثنائي. لم تكن قيادته مجرد واجب، بل كانت دعوة للحياة والرجاء. في كل خطاب، وفي كل لقاء، كان يحمل رسالة سامية مفادها أن الحب قادر على تجاوز الاختلافات، وأن التسامح هو الأساس الذي يجب أن تُبنى عليه العلاقات بين المؤمنيين. رسالته لم تكن حبرًا على ورق، بل كانت واقعًا معاشًا يشعر به كل من اقترب منه.
يُعرف ببابا المحبة، لأنه لا يعرف سوى لغة القلوب. كان دائمًا القائد الذي يضم الجميع، ويسعى للسلام بين المختلفين، وينشر دفء المحبة في أشد الأوقات برودةً. لم يتوقف عند الحدود الدينية، بل كانت يده ممدودة لكل محتاج، وصوته هو صوت الحكمة حين تُخيم الصعاب. لم يسعَ لشئ شخصي، بل جعل من المحبة عملًا يوميًا يُمارَس، ليثبت أن الحب قوة قادرة على تغيير العالم.
كما أظهر أنه بابا الوحدة الوطنية، رجل تجاوز الخطوط والفروق ليبني جسور المحبة بين جميع أبناء الوطن. لم يتوانَ يومًا عن دعم قضايا مصر القومية، وكان حاضرًا في كل مفترق طرق ليؤكد أن قوة الوطن تكمن في وحدته. وقف بشجاعة في وجه محاولات التقسيم والإقصاء، وأعاد للكنيسة دورها في تعزيز الهوية الوطنية الجامعة.
وكان بابا التسامح والقلب النقي، يمارس التسامح بتلقائية قلب مؤمن، يتجاوز الجراح ويجعل من الصبر والصفح سلاحًا لمحاربة الكراهية. تجسّد هذه القيم في أقواله وأفعاله، فكلما تعرضت الكنيسة لهجمات، كان ردّه هو الدعاء لأجل الأعداء، وكلما اقترب منه أحدهم طالبًا الصفح، وجد لديه قلبًا مفتوحًا بلا حدود.
البابا تواضروس هو صاحب القلب الذهبي، الذي احتضن الجميع، كبارًا وصغارًا، في الفرح والحزن. كانت يداه الحانية تُربّت على أكتاف المكلومين، وابتسامته الهادئة تضيء قلوب الحائرين. في حياته وخدمته، كان نموذجًا للأب الذي يعبر كل المسافات ليكون بجوار أبنائه.
خلال اثني عشر عامًا من الأبوة، كان البابا تواضروس استثناءً في كل شيء. لم يكن مجرد بطريرك؛ بل كان رمزًا لقيادة استثنائية، تقف بثبات وسط التحديات وتبني جسور الأمل والمحبة. اثني عشر عامًا من الحب، أرسى فيها قيم السلام والوئام في كل مكان وطأته قدماه. اثني عشر عامًا من التعليم، علّم فيها الأجيال معنى التسامح والانتماء للوطن والكنيسة، مستلهمًا تعاليم المسيح.
وسيبقى البابا تواضروس، إلى منتهى الأعوام، شمسًا تُشرق على حياة الجميع، وأبًا يعظّم المحبة في كل خطوة. نصلي من أجلك يا سيدنا، أن يُعطيك الله القوة والصحة، لتظل نبراسًا للمحبة والوحدة والتسامح، وملاذًا لكل من يسعى إلى قلب نقي ينبض بحب لا ينضب.